وتجنب التصحيف فيه فربما * أدى إلى تحريفه بل قلبه واترك مقالة من لهاك بجهله * عن كتبه أو بدعه في قلبه فكفى المحدث رفعة أن يرتضى * ويعد من أهل الحديث وحزبه علمه:
درس كتاب الله تعالى وتفاسيره، واشتغل بالحديث النبوي وشروحه، وتفقه على المذهب الشافعي حتى عد علما من أعلامه، ثم بلغ فيه درجة الاجتهاد، وألف الكتب النافعة معتمدا على الأدلة من الكتاب والسنة مباشرة، يوازن بين أقوال العلماء والمذاهب، ويستخلص الرأي الذي يقوده إليه اجتهاده، ولا سيما في كتابه العظيم (المجموع) الذي يعد من أمهات كتب الاسلام، وقد اخترمته المنية قبل أن يتمه.
كان رحمه الله كثير السهر في التأليف والمطالعة والعبادة، وكانت ذاكرته آية في الحفظ والاتقان، وكان عميق الفكرة بعيد الغوص والفهم، لا يقنع بدراسة ظواهر الأمور، بل يجتهد في إدراك أعمق أغوارها حتى يصل إلى كلمة الحق التي يؤمن بها ويدافع عنها مع أدب جم وخلق رفيع.
وقد سمع على شيوخه كتب السنة والحديث الشريف المشهورة كلها، وما يقود إليها ويخدمها من علوم العربية والتراجم، وكان يكتب جميع ما يتعلق بهذه الكتب من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة.
وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد الامام أبي شامة سنة 665 ه، وحدث فيها بالصحيحين سماعا وشرحا وبحثا، وبقطعة من سنن أبي داوود، وصفوة التصوف، والحجة على تارك المحجة للمقدسي، وشرح معاني الآثار للطحاوي.
وكان للنووي رحمه الله مع أهليته للعلم فراغ البال واتساع الوقت لديه، وتوافر الكتب وجمعها، والاطلاع على كلام العلماء فيها، وحسن النية وكثرة الورع والزهد. فكان واسع العلم والثقافة والتأليف، غزير الانتاج في مؤلفات تلمس فيها العبارة السهلة والدليل الواضح والانصاف في عرض آراء الفقهاء والاستنباط منها.