قلت: روي أهلكهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويؤيده أنه جاء في رواية رويناها في " حلية الأولياء " في ترجمة سفيان الثوري: " فهو من أهلكهم ".
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في " الجمع بين الصحيحين " في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع، أي: أشدهم هلاكا، قال: وذلك إذا قال على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سر الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعض علمائنا يقول، هذا كلام الحميدي.
وقال الخطابي: معناه: لا يزال يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول: فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم: أي أسوأ حالا فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلا عليهم، وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه " معالم السنن ".
1088 - وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر هذا الحديث، ثم قال: قال مالك: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأسا، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه وتصاغرا للناس فهو المكروه الذي ينهى عنه.
قلت: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة، وهو أحسن ما قيل في معناه، وأوجزه، ولا سيما إذا كان عن الإمام مالك رضي الله عنه.
فصل: 1089 - روينا في سنن أبي داود بالاسناد الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء فلان ".
قال الخطابي وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، و " ثم " للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدهم (صلى الله عليه وسلم) إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه. وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك، قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا، ولا تقل: لولا الله وفلان.
فصل: ويكره أن يقول: مطرنا بنوء كذا، فإن قاله معتقدا أن الكوكب هو الفاعل هو كفر، وإن قاله معتقدا أن الله تعالى هو الفاعل وأن النوء المذكور علامة لنزول