(باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه) قد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهم بيان ما يستثنى منه، والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته:
1141 - وهو ما رويناه في " صحيحيهما " عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان ".
1142 - وروينا في " صحيحيهما " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر " وفي رواية مسلم " إذا وعد أخلف " بدل " وإذا ائتمن خان ".
وأما المستثنى منه:
1143 - فقد روينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أم كلثوم (1) رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا " هذا القدر في " صحيحيهما ". وزاد مسلم في رواية له: " قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس إلا في ثلاث: يعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها " فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماء ما يباح منه.
وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإمام أبو حامد الغزالي فقال:
الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب