(باب الأحوال التي يستحب فيها السلام، والتي يكره فيها، والتي يباح) إعلم أنا مأمورون بإفشاء السلام كما قدمناه، لكنه يتأكد في بعض الأحوال ويخف في بعضها. ونهي عنه في بعضها، فأما أحوال تأكده واستحبابه فلا تنحصر، فإنها الأصل فلا نتكلف التعرض لأفرادها. واعلم أنه يدخل في ذلك السلام على الأحياء والموتى، وقد قدمنا في " كتاب أذكار الجنائز " كيفية السلام على الموتى. وأما الأحوال التي يكره فيها أو يخف أو يباح فهي مستثناة من ذلك فيحتاج إلى بيانها، فمن ذلك إذا كان المسلم عليه مشتغلا بالبول أو الجماع أو نحوهما فيكره أن يسلم عليه، ولو سلم لا يستحق جوابا، ومن ذلك من كان نائما أو ناعسا، ومن ذلك من كان مصليا أو مؤذنا في حال أذانه أو إقامته الصلاة، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لا يؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكل واللقمة في فمه، فإن سلم عليه في هذه الأحوال لم يستحق جوابا. أما إذا كان على الأكل وليست اللقمة في فمه، فلا بأس بالسلام، ويجب الجواب. وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يسلم ويجب الجواب. وأما السلام في حال خطبة الجمعة، فقال أصحابنا: يكره الابتداء به لأنهم مأمورون بالإنصات للخطبة، فإن خالف وسلم فهل يرد عليه؟ فيه خلاف لأصحابنا، منهم من قال: لا يرد عليه لتقصيره، ومنهم من قال: إن قلنا إن الإنصات واجب لا يرد عليه، وإن قلنا: إن الإنصات سنة رد عليه واحد من الحاضرين، ولا يرد عليه أكثر من واحد على كل وجه.
وأما السلام على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلم عليه كفاه الرد بالإشارة، وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم عاد إلى التلاوة، هذا كلام الواحدي، وفيه نظر، والظاهر أن يسلم عليه ويجب الرد باللفظ. أما إذا كان مشتغلا بالدعاء مستغرقا فيه، مجمع القلب عليه، فيحتمل أن يقال: هو كالمشتغل بالقراءة على ما ذكرناه، والأظهر عندي في هذا أنه يكره السلام عليه، لأنه يتنكد به ويشق عليه أكثر من مشقة الأكل. وأما الملبي في الإحرام فيكره أن يسلم عليه، لأنه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه رد السلام باللفظ، نص عليه الشافعي وأصحابنا رحمهم الله.
فصل: قد تقدمت الأحوال التي يكره فيها السلام، وذكرنا أنه لا يستحق فيها