(باب المدح) إعلم أن مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضوره، فلا منع منه إلا أن يجازف المادح ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة ولم يجر إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدح في وجه الممدوح فقد جاءت فيه أحاديث تقتضي إباحته أو استحبابه، وأحاديثه تقتضي المنع منه.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان، وحسن يقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة، بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شئ من هذه الأمور، كره مدحه كراهة شديدة.
794 - فمن أحاديث المنع ما رويناه في " صحيح مسلم " عن المقداد رضي الله عنه " أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء (1)، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ".
795 - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة فقال: أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل ".
قلت: قوله يطريه، بضم الياء وإسكان الطاء المهملة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحت. والإطراء: المبالغة في المدح ومجاوزة الحد، وقيل: هو المدح.
796 - وروينا في " صحيحيهما " عن أبي بكرة رضي الله عنه " أن رجلا ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك قطعت عنق صاحبك - يقوله