يقدم الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم: " زعموا "، بالمطية، وإنما يقال:
زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت، إنما هو شئ يحكى على سبيل البلاغ، فذم النبي (صلى الله عليه وسلم) من الحديث ما هذا سبيله، وأمر بالتوثق فيما يحكيه والتثبت فيه، فلا يرويه حتى يكون معزوا إلى ثبت. هذا كلام الخطابي، والله أعلم.
(باب التعريض والتورية) إعلم أن هذا الباب من أهم الأبواب، فإنه مما يكثر استعماله وتعم به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأمله ويعمل به، وقد قدمنا في الكذب من التحريم الغليظ، وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا الباب طريق إلى السلامة من ذلك. واعلم أن التورية والتعريض معناهما: أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع.
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شئ من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق، فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب.
فأما الآثار الواردة فيه، فقد جاء من الآثار ما يبيحه وما لا يبيحه، وهي محمولة على هذا التفصيل الذي ذكرناه، فمما جاء في المنع:
1148 - ما رويناه في " سنن أبي داود " بإسناد فيه ضعف لكن لم يضعفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسنا عنده كما سبق بيانه عن سفيان بن أسد - بفتح الهمزة - رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت به كاذب " (1).
وروينا عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. مثال التعريض المباح ما قاله النخعي رحمه الله: إذا بلغ الرجل عنك شئ قلته فقل: الله يعلم