ما قلت من ذلك من شئ، فيتوهم السامع النفي، ومقصودك الله يعلم الذي قلته. وقال النخعي أيضا: لا تقل لابنك: أشتري لك سكرا، بل قل: أرأيت لو اشتريت لك سكرا.
وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد. وقال غيره:
خرج أبي في وقت قبل هذا. وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية: ضعي أصبعك فيها وقولي: ليس هو هاهنا. ومثل هذا قول الناس في العادة لمن دعاه لطعام: أنا على نية، موهما أنه صائم، ومقصوده على نية ترك الأكل، ومثله: أبصرت فلانا؟ فيقول ما رأيته، أي: ما ضربت رئته، ونظائر هذا كثيرة. ولو حلف على شئ من هذا، وورى في يمينه، لم يحنث، سواء حلف بالله تعالى، أو حلف بالطلاق، أو بغيره، فلا يقع عليه الطلاق، ولا غيره، وهذا إذا لم يحلفه القاضي في دعوى، فإن حلفه القاضي في دعوى، فالاعتبار بنية القاضي إذا حلفه بالله تعالى، فإن حلفه بالطلاق، بالاعتبار بنية الحالف، لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس، والله أعلم.
قال الغزالي: ومن الكذب المحرم الذي يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: قلت لك مائة مرة، وطلبتك مائة مرة ونحوه، بأنه لا يراد به تفهيم المرات، بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا، وإن طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة، لم يأثم، وإن لم يبلغ مائة مرة، وبينهما درجات، يتعرض المبالغ للكذب فيها.
1149 - قلت: ودليل جواز المبالغة وأنه لا يعد كذبا، ما رويناه في " الصحيحين " أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فلا مال له " ومعلوم أنه كان له ثوب يلبسه، وأنه كان يضع العصا في وقت النوم وغيره، وبالله التوفيق.
(باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح) قال الله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) [فصلت: 36] وقال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [الأعراف: 201] وقال تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا (1) على ما فعلوا وهم