جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيته فقلت: إن أبي يقرئك السلام، فقال: " وعليك السلام وعلى أبيك السلام ".
قلت: وهذا وإن كان رواية عن مجهول، فقد قدمنا أن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم كلهم (1).
فصل: قال المتولي: إذا سلم على أصم لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإفهام ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب. قال: وكذا لو سلم عليه أصم وأراد الرد، فيتلفظ باللسان، ويشير بالجواب ليحصل به الإفهام، ويسقط عنه فرض الجواب. قال: ولو سلم على أخرس فأشار الأخرس باليد، سقط عنه الفرض، لأن إشارته قائمة مقام العبارة، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة يستحق الجواب لما ذكرنا.
فصل: قال المتولي: لو سلم على صبي، لا يجب عليه الجواب، لأن الصبي ليس من أهل الفرض، وهذا الذي قاله صحيح، لكن الأدب والمستحب له الجواب. قال القاضي حسين وصاحبه المتولي: ولو سلم الصبي على بالغ، فهل يجب على البالغ الرد؟ فيه وجهان ينبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا: يصح إسلامه، كان سلامه كسلام البالغ، فيجب جوابه. وإن قلنا: لا يصح إسلامه، لم يجب رد السلام، لكن يستحب.
قلت: الصحيح من الوجهين وجوب رد السلام، لقول الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء 86]، وأما قولهما: إنه مبني على إسلامه، فقال الشاشي: هذا بناء فاسد، وهو كما قال، والله أعلم.
ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي، فرد الصبي ولم يرد منهم غيره، فهل يسقط عنهم؟ فيه وجهان أصحهما - وبه قال القاضي حسين وصاحبه المتولي - لا يسقط، لأنه ليس أهلا للفرض، والرد فرض فلم يسقط به، كما لا يسقط به الفرض في الصلاة على الجنازة. والثاني وهو قول أبي بكر الشاشي صاحب " المستظهري " من أصحابنا: أنه يسقط، كما يصح أذانه للرجال، ويسقط عنه طلب الأذان.
قلت: وأما الصلاة على الجنازة، فقد اختلف أصحابنا في سقوط فرضها بصلاة الصبي على وجهين مشهورين، الصحيح منهما عند الأصحاب: أنه يسقط، ونص عليه الشافعي، والله أعلم.