لا يحل لأحد أن يتعرض لماله ونفسه بوجه من الوجوه إلا بحقه أي بحق هذا القول أو بحق أحد المذكورين (حسابه) أي جزاؤه ومحاسبته (على الله) بأنه مخلص أم لا. قال الطيبي: يعني من قال: لا إله إلا الله وأظهر الإسلام تترك مقاتلته ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم منافق فإن ذلك مفوض إلى الله تعالى وحسابه عليه (فقال أبو بكر) جوابا وتأكيدا (من فرق) بالتشديد والتخفيف أي من قال بوجوب الصلاة دون الزكاة (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق النفس. قاله الطيبي: وقال غيره: يعني الحق المذكور في قوله إلا بحقه أعم من المال وغيره.
قال الطيبي: كأن عمر حمل قوله بحقه على غير الزكاة فلذلك صح استدلاله بالحديث، فأجاب أبو بكر بأنه شامل للزكاة أيضا، أو توهم عمر أن القتال للكفر فأجاب بأنه لمنع الزكاة لا للكفر، ولذلك رجع عمر إلى أبي بكر وعلم أن فعله موافق للحديث وأنه قد وفق به من الله تعالى (عقالا) بكسر العين الحبل الذي يعقل به البعير وليس من الصدقة فلا يحل له القتال، فقيل أراد المبالغة بأنهم لو منعوا من الصدقة ما يساوي هذا القدر يحل قتالهم فكيف إذا منعوا الزكاة كلها. وقيل: قد يطلق العقال على صدقة عام وهو المراد ها هنا كما سيجيء بيانه. وفي رواية أخرى عناقا مكان عقالا (فوالله ما هو) أي الشأن أو سبب رجوعي إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه (إلا أن رأيت) أي علمت وأيقنت (شرح) أي فتح ووسع ولين (للقتال) معناه علمت أنه جازم بالقتال لما ألقى الله سبحانه وتعالى في قلبه من الطمأنينة لذلك وأسقطوا به ذلك (فعرفت أنه) أي رأي أبي بكر أو القتال (الحق) أي بما أظهر من الدليل وإقامة الحجة فعرفت بذلك أن ما ذهب إليه أنه الحق. قال الخطابي: إنه صلى الله عليه وسلم جعل آخر كلامه عند وفاته قوله: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " ليعقل أن فرض الزكاة قائم كفرض الصلاة، وأن القائم بالصلاة هو القائم بأخذ الزكاة، ولذلك قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. استدلالا بهذا مع سائر ما عقل من أنواع الأدلة على وجوبها.
وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب إلى أن الكفار مخاطبون بالصلاة والزكاة وسائر العبادات وذلك لأنهم إذا كانوا مقاتلين على الصلاة والزكاة فقد عقل أنهم مخاطبون بها. وفيه دليل على أن الردة لا تسقط عن المرتد الزكاة الواجبة في أمواله انتهى كلامه. قال المنذري: