النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، وكان يدعو الرجل في خطبته تعال اجلس يا فلان، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها، فإن كان السامعون أعاجم يترجم بلسانهم فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم. وحديث جابر هذا هو أدل دليل على جواز ذلك. وقال الله تبارك وتعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) الآية. قال في جامع البيان: أي ليبين لهما أمروا به فيفهموه بلا كلفة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل لكن الأولى أن يكون بلغة من هو فيهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه انتهى.
فإن قلت: إن كانت الترجمة تجوز في الخطبة فتجوز قراءة ترجمة القرآن أيضا في الصلاة فإن صلى واحد وقرأ ترجمة سورة الفاتحة مثلا مكان الفاتحة، صحت صلاته. قلت:
كلا ولا يجوز ذلك في الصلاة قط. والقياس على الخطبة قياس مع الفارق، لأن الخطبة ليس فيها ألفاظ مخصوصة وأذكار معينة. بل إنما هي التذكير كما تقدم، والصلاة ليست بتذكير بل إنما هي ذكر وبين التذكير والذكر فرق عظيم، ولا بد في الصلاة قراءة القرآن للامام والمأموم والمنفرد لقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) فلفظ اقرؤوا صيغة أمر يدل على الوجوب، ولا يمتثل الأمر إلا بقراءة القرآن بالنظم العربي كما أنزل عليه ووصل إلينا بالنقل التواتر، لأن من يقرأ ترجمته في الصلاة لا يطلق عليه قراءة القرآن بل هو خالف الأمر المأمور به، فكيف يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة، بل هو ممنوع. وأما الخطبة فهي تذكير فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم، وإلا فيفوت مقصود الخطبة. هكذا قاله شيخنا العلامة نذير حسين المحدث الدهلوي. كذا في غاية المقصود ملخصا. قال المنذري: وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة.