استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ولابن خزيمة استلف من رجل بكرا فقال إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك فلما جاءت إبل الصدقة أمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه ويجمع بينه وبين الرواية التي في الباب حيث قال فيها اشتروا له بأنه أمر بالشراء أولا ثم قدمت إبل الصدقة فأعطاه منها أو أنه أمر بالشراء من إبل الصدقة ممن استحق منها شيئا ويؤيده رواية ابن خزيمة المذكورة إذا جاءت الصدقة قضيناك اه والبكر بفتح الموحدة وسكون الكاف الصغير من الإبل والخيار الجيد يطلق على الواحد والجمع والرباعي بتخفيف الموحدة من ألقى رباعيته (قوله فإن خيركم أحسنكم قضاء) في رواية عثمان بن جبلة عن شعبة الآتية في الهبة فإن من خيركم أو خيركم كذا على الشك وفي رواية ابن المبارك أفضلكم أحسنكم قضاء وفي رواية سفيان الآتية خياركم فيحتمل أيريد المفرد بمعنى المختار أو الجمع والمراد أنه خيرهم في المعاملة أو تكون من مقدرة ويدل عليها الرواية المذكورة وقوله أحسنكم لما أضيف أفعل والمقصود به الزيادة جاز فيه الافراد وقد وقع في رواية سفيان بعد باب من خياركم وفي الحديث جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حلمه وتواضعه وانصافه وأن من عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق وأن من أساء الأدب على الامام كان عليه التعزير بما يقتضيه الحال إلا أن يعفو صاحب الحق وفيه ما ترجم له وهو استقراض الإبل ويلتحق بها جميع الحيوانات وهو قول أكثر أهل العلم ومنع من ذلك الثوري والحنفية واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وهو حديث قد روي عن ابن عباس مرفوعا أخرجه ابن حبان والدارقطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف وفي الجملة هو حديث صالح للحجة وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الحديثين ممكن فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين ويتعين المصير إلى ذلك لان الجمع بين الحديثين أولى من الغاء أحدهما باتفاق وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف في الذمة وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقا وبه قال الجمهور وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد منعت وإن كانت بالوصف جازت وفيه أن الاقتراض في البر والطاعة وكذا الأمور المباحة لا يعاب وأن للامام أن يقترض على بيت المال لحاجة بعض المحتاجين ليوفي ذلك من مال الصدقات واستدل به الشافعي على جواز تعجيل الزكاة هكذا حكاه ابن عبد البر ولم يظهر لي توجهه إلا أن يكون المراد ما قيل في سبب اقتراضه صلى الله عليه وسلم وأنه كان اقترضه لبعض المحتاجين من أهل الصدقة فلما جاءت الصدقة أوفى صاحبه منها ولا يعكر عليه أنه أوفاه أزيد من حقه من مال الصدقة لاحتمال أن يكون المقترض منه كان أيضا من أهل الصدقة إما من جهة
(٤٣)