كقوله تعالى من النبيين والصديقين وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لان الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل وقال غيره قدمت الوصية لأنها شئ يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان اداؤها مظنة التفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح أن لصاحب الدين مقالا وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين فإنه ثابت بنفسه مطلوب أداؤه سواء ذكر أو لم يذكر وأيضا فالوصية ممكنة من كل أحد ولا سيما عند من يقول بوجوبها فإنه يقول بلزومها لكل أحد فيشترك فيها جميع المخاطبين لأنها تقع بالمال وتقع بالعهد كما تقدم وقل من يخلو عن شئ من ذلك بخلاف الدين فإنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد وما يكثر وقوعه مقدم على ما يقل وقوعه وقال الزين بن المنير تقديم الوصية على الدين في اللفظ لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكم الميراث يلي الوصية في البعدية ولا يلي الدين بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء ثم الوصية ثم الميراث فيتحقق حينئذ أن الوصية تقع بعد الدين حال الأداء باعتبار القبلية فتقديم الدين على الوصية في اللفظ وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين في المعنى والله أعلم (قوله وقال ابن عباس لا يوصى العبد إلا بإذن أهله) وصله بن أبي شيبة من طريق شبيب بن عرقدة عن جندب قال سأل طهمان ابن عباس أيوصي العبد قال لا الا بإذن أهله (قوله وقال النبي صلى الله عليه وسلم العبد راع في مال) سيده هو طرف من حديث تقدم ذكره موصولا في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق من حديث نافع عن بن عمر وأراد البخاري بذلك توجيه كلام ابن عباس المذكور قال ابن المنير لما تعارض في مال العبد حقه وحق سيده قدم الأقوى وهو حق السيد وجعل العبد مسؤلا عنه وهو أحد الحفظة فيه فكذلك حق الدين لما عارضه حق الوصية والدين واجب والوصية تطوع وجب تقديم الدين فهذا وجه مناسبة هذا الأثر والحديث للترجمة ثم أورد المصنف في الباب حديثين أحدهما حديث حكيم بن حزام أن هذا المال خضر حلو الحديث وقد تقدم مشروحا في كتاب الزكاة قال بن المنير وجه دخوله في هذا الباب من جهة أنه صلى الله عليه وسلم زهده في قبول العطية وجعل يد الآخذ سفلى تنفيرا عن قبولها ولم يقع مثل ذلك في تقاضى الدين فالحاصل أن قابض الوصية يده سفلى وقابض الدين مستوف لحقه إما أن تكون يده عليا بما تفضل به من القرض وإما أن لا تكون يده سفلى فيتحقق بذلك تقديم الدين على الوصية * ثانيهما حديث كلكم راع ومسئول عن رعيته من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقد تقدم من وجه آخر في العتق ويأتي الكلام عليه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى وقد خالف الطحاوي في هذه المسألة أصحابه فذكر اختلاف العلماء نحو ما سبق ثم ذكر أن الصحيح
(٢٨٣)