ثقتان مكيان وقد سمع قيس من أقدم من عمرو وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة ومنها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وهو عند أصحاب السنن ورجاله مدنيون ثقات ولا يضره أن سهيل بن أبي صالح نسيه بعد أن حدث به ربيعة لأنه كان بعد ذلك يرويه عن ربيعة عن نفسه عن أبيه وقصته بذلك مشهورة في سنن أبي داود وغيرها ومنها حديث جابر مثل حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وأبو عوانة وفي الباب عن نحو من عشرين من الصحابة فيها الحسان والضعاف وبدون ذلك تثبت الشهرة ودعوى نسخه مردودة لان النسخ لا يثبت بالاحتمال وأما احتجاج مالك في الموطأ بأن اليمين تتوجه على المدعى عند النكول ورد اليمين بغير حلف فإذا حلف ثبت الحق بغير خلاف فيكون حلف المدعي ومعه شاهد آخر أولى فهو متعقب ولا يرد على الحنفية لانهم لا يقولون برد اليمين وقال الشافعي القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يمنع أن يجوز أقل مما نص عليه يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم فضلا عن مفهوم العدد والله أعلم وقال بن العربي أظرف ما وجدت لهم في رد الحكم بالشاهد واليمين أمران أحدهما أن المراد قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب والمراد أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق فيجب اليمين على المدعى عليه فهذا المراد بقوله قضى بالشاهد واليمين وتعقبه بن العربي بأنه جهل باللغة لان المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين ثانيهما حمله على صورة مخصوصة وهي أن رجلا اشترى من آخر عبدا مثلا فادعى المشتري أن به عيبا وأقام شاهدا واحدا فقال البائع بعته بالبراءة فيحلف المشتري أنه ما اشترى بالبراءة ويرد العبد وتعقبه بنحو ما تقدم ولأنها صورة نادرة ولا يحمل الخبر عليها قلت وفى كثير من الأحاديث الواردة في ذلك ما يبطل هذا التأويل والله أعلم ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث أحدها حديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه هكذا أخرجه في الرهن وهنا مختصرا من طريق نافع بن عمر الجمحي عن بن أبي مليكة وأخرجه في تفسير آل عمران من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة مثله وذكر فيه قصة المرأتين اللتين ادعت إحداهما على الأخرى أنها جرحتها وقد أخرجه الطبراني من رواية سفيان عن نافع عن بن عمر بلفظ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وقال لم يروه عن سفيان الا الفريابي وأخرجه الإسماعيلي من رواية بن جريج بلفظ ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب وأخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن إدريس عن بن جريج وعثمان بن الأسود عن بن أبي مليكة كنت قاضيا لابن الزبير على الطائف فذكر قصة المرأتين فكتبت إلى بن عباس فكتب إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وهذه الزيادة ليست في الصحيحين واسنادها حسن وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بقوله صلى الله عليه وسلم لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال أموالهم وسيأتي في تفسير آل عمران وقال العلماء الحكمة في ذلك لان جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البينة لأنها لا تجلب لنفسها نفعا ولا تدفع عنها ضررا فيقوى بها ضعف المدعى وجانب المدعى عليه قوي لان الأصل فراغ ذمته فاكتفى منه باليمين وهي حجة ضعيفة
(٢٠٨)