وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر والفساد، إذ أمرهم باتباع المختلفين.
ومنها أنه لو كانا إمامين لكان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير الذي يدعو إليه صاحبه في أمر الحكومة، ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع صاحبه فيبطل الحقوق والأحكام والحدود، ومنها أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق والحكم والأمر والنهى من الآخر، وإذا كان هذا كذلك وجب عليها أن يتبدئا بالكلام، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشئ إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا، فان جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر وإذا جار لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام، وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم.
فإن قال قائل: فلم لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قيل: لعلل منها: إنه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه و يتميزه بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من غيره ويهتدي إليه بعينه، ومنها: أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل، إذ جعل أولاد الرسول اتباعا لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط لأنه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل ذلك في أولادهم، إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين.
فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق، ومنها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد منهم عن أن يتبع ولده ويطيع ذريته، ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس، وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أنه أولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسمح أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان يكون ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق و الاختلاف (1).