وحصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الأذهان في لجج أفلاك ملكوته مقتدر بالآلاء وممتنع بالكبرياء، ومتملك على الأشياء، فلا دهر يخلقه ولا وصف يحيط به قد خضعت له ثوابت الصعاب في محل تخوم قرارها، وأذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها مستشهد بكلية الأجناس علي ربوبيته وبعجزها على قدرته وبفطورها على قدمته، وبزوالها على بقائه.
فلا لها محيص عن إدراكه إياها ولا خروج من إحاطته بها، ولا احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب الطبع عليها دلالة وبحدوث الفطر عليها قدمة وبأحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه حد منسوب، ولا له مثل مضروب، ولا شئ عنه محجوب تعالى عن الأمثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله إيمانا بربوبيته وخلافا على من أنكره، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المقر في خير مستقرا المتناسخ من أكارم الأصلاب ومطهرات الأرحام، المخرج من أكرم المعادن محتدا وأفضل المنابت منبتا، من أمنع ذروة وأعز أرومة من الشجرة التي صاغ الله منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه الطيبة العود، المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار، الكريمة الحشاء.
في كرم غرست وفي حرم أنبتت وفيه تشعبت وأثمرت وعزت وامتنعت فسمت به وشمخت حتى أكرمه الله عز وجل بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين، وسخر له البراق وصافحته الملائكة وأرعب به الأباليس وهدم به الأصنام والآلهة المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل، وحكمه الحق، صدع بما أمره ربه، وبلغ ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته وأظهر في الخلق أن لا إله الا الله وحده لا شريك له حتى خلصت له الوحدانية ووصفت له الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته وأعلى بالإسلام درجته واختار الله عز وجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة صلى الله عليه وآله وسلم عدد ما صلى على أنبيائه المرسلين وآله الطاهرين. (1)