وما ذاك يا أبا عبد الله قال: رؤيا رأيتها قالوا: وما هي؟ قال (ع): رأيت كلابا تنهشني وأشدها كلب أبقع. أقول: وتلك الكلاب هؤلاء الذين حملوا على أمامنا يوم عاشوراء.
ذكر المؤرخون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينما كان في حجر حليمة قال لها يوما يا أماه مالي أرى أخوتي ليلا ولا أراهم نهارا فقالت: يا سيدي يخرجون بالنهار إلى الرعي فقال (ع):
أحب إن أخرج معهم لأرى البراري والجبال، فلما أصبح هم بالخروج معهم فألبسته حليمة ثيابه وطيبته وأوصت أولادها به، وبعثته معهم، فلما خرج إلى الصحراء ما بقي حجر ولا مدر إلا وينادي السلام عليك يا رسول الله ثم أصابه حر الشمس فأرسل الله سحابة بيضاء فمطرت إلا على رأسه وصارت الأرض طينا إلا على طريقه، وكان ينزل من السحابة المسك والزعفران فبينما هو يمشي إذ رأى روضة خضراء، وكان ورائها تل عليه أنواع النبات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا إخواني أريد أمر بهذه الروضة فقالوا:
نمضي معك قال (ص): لا بل أنا وحدي ثم مر حتى بلغ التل فنظر إلى جبل شاهق فقال في نفسه أريد أن أصعد هذا الجبل وأنظر إلى ما ورائه من العجائب فأمر الله ملكا نزل إلى ذلك الجبل وصاح به فخضع الجبل حتى ساوى الأرض فصعد النبي (ص) وكان وراء الجبل واد مخوف مملوءة من الحيات والعقارب كالبغال فصاح ملك غيبوا أنفسكم فدخلت في بيوتها فمكث النبي في ذلك الوادي مدة من الزمان وكان من شأنه ما كان فلما طال المكث به طلبته إخوة أولاد حليمة فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة وأعلموها بالقصة فخرجت ذاهلة العقل تصيح في حي بني سعد فمزقت أثوابها وخدشت وجهها وهي تعدو في البراري حافية والشوك يدخل في رجليها والدم يسيل منها وتنادي وا ولداه ونساء بني سعد يبكين معها مكشفات الشعور، فعلت ذلك حليمة وهي لم تحمل برسول الله (ص) ولم تلده إنما أرضعته.
وكان من شأنها ما سمعتم فكيف بمن حملت بولده وولدته وأرضعته وربته إلى ثمانية عشر سنة ثم وجدته يوم عاشوراء قتيلا مقطعا بالسيوف والرماح وما بقي أحد إلا وهو يبكي، وركب عبد الله بن الحارث مع آل بني سعد وحلف إن لم أجد الساعة محمدا لوضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم ومضت حليمة إلى مكة وأخبرت عبد المطلب بذلك فغشي عليه ساعة ثم أفاق وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله