وضع يده اليسرى على الأرض ورفع يده اليمنى إلى السماء، ويحرك شفتيه بالتوحيد وبدى من فيه نور رأى أهل مكة معه قصورا من الشام وما يليها وقصورا من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من إصطخر وما يليها.
وقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبي (ص) حتى فزعت الجن والإنس والشياطين وقالوا:
يحدث في الأرض حدث ولقد رأيت الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل وتسبح وتقدس وتضطرب النجوم وتتساقط، ولقد هم إبليس بالظعن إلى السماء لما رأى من الأعاجيب فإذا هو قد حجب، وفيه عن العباس بن عبد المطلب قال: لما ولد عبد الله لوالدي عبد المطلب (ع) رأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس فقال أبي: إن لهذا الغلام شأنا عظيما قال: فرأيت ليلة في منامي إنه خرج من منخر عبد الله طائر أبيض فطار حتى بلغ المشرق والمغرب ثم رجع راجعا حتى سقط على سطح الكعبة فسجدت له قريش، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نورا بين السماء والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب قال:
فما انتهيت سألت من كاهنة كانت في بني مخزوم فقالت لي يا عباس لان كنت صادقا في رؤياك ليخرجن من صلب عبد الله ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له قال: فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة بنت وهب.
وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها أخلاقا فلما تزوجها وواقعها أنتقل نور جبينه إلى وجه آمنة وجبينها، وحملت برسول الله (ص) فلما مات عبد الله وولدت آمنة برسول الله (ص) أتيت النبي في وجهه يزهر فحملته وتفرست منه ريح المسك، وصرت كأني قطعة ريح من المسك من شدة ريحه فحدثتني آمنة وقالت لي: إنه لما أخذني الطلق واشتد بي الامر سمعت جلبة وكلاما لا يشبه كلام آدميين، ورأيت علما من سندس على قصب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض فعند ذلك ولد رسول الله (ص) طيبا طاهرا مطهرا مختونا، والنور يسطع من رأسه حتى بلغ السماء بحيث رأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار ورأيت حولي من القطاة والطيور أمرا عظيما وقد نشرت أجنحتها حولي، وكانت شعيرة الأسدية قد مرت وهي تقول يا آمنة ما تلقى الكهان والأصنام من ولدك وسمعت مناديا ينادي:
أعيذه بالواحد * من شر كل حاسد وكل خلق مارد * يأخذ بالمراصد