في البوادي والجبال، ونزهتهم في الأحجار التي لم تكن فيها نبات ولا مياه بل وفيها العقارب والحيات، ومغارة للمؤذيات والحشرات، مائهم الأمطار التي تجمع في الغدران والآبار وتكدرها الرياح والأوساخ ومأكلهم الطعام الغليظ، وهو كلما يدب في الأرض من الحشرات وشغلهم ليس إلا الحرب والنهب والغارة وسفك الدماء، وقس على هذا مما لا يوصف حتى بعث محمدا (ص) بالرسالة فطابت مآكلهم ومشاربهم وأحوالهم فأبدلهم الله بذلك البراري والجبال الريف ولين المهاد من أراضي العراق والشامات ومصر التي جعل الله فيها الزروع والأشجار والثمار والنبات والرياحين والأوراد ما لا تحصى، وأبدلهم بعبادة الأصنام عبادة من يستحق العبادة وهو رب بيت الحرام وكسر منهم الأصنام، وطهر منهم الأجساد وأزال الكفر والنفاق عن قلوبهم والأوساخ، والأرجاس عن وجوههم فأنجاهم من النار ومن غضب الجبار ولله در القائل وهو عبد الباقي العمري:
وقد ما بنورك لما أضاء * رأت ظلمة العدم الانجلاء فمن فضل ضوئك كان الضياء * لقد رمقت بك عين العماء وفي غير نورك لم ترمق أضاء سناك لها مبرقا * وقابل مراتها مشرقا إلى أن أشاع لها رونقا * فكنت لمرآتها زيبقا وصفوا المرايا من الزيبق بك الأرض مدت ليوم الورود * وأضحت عليها الرواسي ركود وسقف السماء شيد لا في عمود * فلولاك لا نظم هذا الوجود من العدم المحض في مطبق ولولاك ما كان خلق يعود * لذات النعيم وذات الخلود ولا بهما ذاق طعم الوجود * ولا شم رائحة للوجود وجود بعرنين مستنشق وفي نهج البلاغة قال علي (ع) في مبعث رسول الله (ص): بعثه بالنور المضئ والبرهان الجلي، والمنهاج البادي، والكتاب الهادي، أسرته خير أسرة وشجرته خير شجرة، أغصانها معتدلة، وثمارها متهدلة، مولده بمكة وهجرته بطيبة، علا بها