عني وذروني والقوم، وتقدم علي (ع) في أصحابه حتى دنا منهم واستنطقهم وقال:
لأنتم قتلتم عبد الله بن جناب فأقروا به قالوا: ولنقتلنك كما قتلناه، فقال (ع): والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وانا أقدر على قتلهم به لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه وقال: شدوا عليكم فانا أولى يشد عليهم، وتقدم عبد الله بن وهب وذو الثدية حرقوص وقالا: ما نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة، فقال (ع): (هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا).
ثم التحم القتال بين الفريقين واستعرت الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها وحمرة ضحاها، فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي وكان شهد صفين مع أمير المؤمنين فشق الصفوف يطلب عليا فبدره علي (ع) بضربة فلق البيضة ورأسه فحمل به الفرس وألقاه في آخر المعركة في جوف دالية على شط النهروان، وخرج من بعده ابن عمه فحمل علي (ع) عليه وضربه وقتله، وتقدم عبد الله بن وهب فصاح يا بن أبي طالب والله لا نبرح عن هذه المعركة أو نأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فأبرز إلي أو أبرز إليك وذر الناس جانبا، فلما سمع علي (ع) كلامه تبسم وقال: قاتله الله من رجل ما أقل حياءه اما إنه ليعلم إنه حليف السيف، وخدين الرمح، ولكنه قد يئس من الحياة، وإنه ليطمع طمعا كاذبا - يعني بالشهادة والجنة - فدخل وقت الصلاة فقال:
إيتوني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس وقال: قد عبر القوم فقال أمير المؤمنين (ع):
ما عبروا ولا يعبرونه ولا يفلت منهم إلا دون العشرة، ولا يقتل منكم إلا دون العشرة والله ما كذبت ولا كذبت، فتعجب الناس وكان معه رجل وهو في شك في امره فقال:
إن صح ما قال فلا احتاج إلى دليل غيره، فبينما هم كذلك إذ أقبل فارس فقال أمير المؤمنين (ع): القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة، فصلى بالناس الظهر بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف، وقال (ع) اطلبوا ذا الثدية فطلبوه شديدا فلم يجدوه فدعا (ع) ببغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وركبها واتبعه الناس فرأى القتلى وجعل يقول:
قلبوهم، وجعلوا يقلبون قتيلا بعد قتيل حتى استخرجوا ذا الثدية وهو رجل مخدع يعني ناقص إحدى يديه مثل الثدي وعلى يديه مثل سبلات السنور - فكبر علي (ع) وقال: ما كذبت ولا كذبت وقطعوا يده ونصبوها على الرمح.