صدق، ثم قال له تقدم يا أبا موسى فتكلم، فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس وقال له:
ويحك والله اني لأظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به، ثم تكلم أنت بعده فإنه رجل غدار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به في الناس خالفك. وكان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيها عندك إنا قد اتفقنا.
فتقدم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمر هؤلاء ولا ألم لشعثها من أن يكون عليهم رجل يبين أمورها، وقد اجتمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية، وان نستقبل هذا الامر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، واني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الامر اهلا ثم تنحى.
فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا خلع صاحبه وسمعتم ما قال فانا اخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه، فقال له أبو موسى: مالك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، فقال عمرو: إنما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا، وحمل شريح بن هاني على عمرو فقنعه بالسوط وحمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط، وقام الناس وحجزوا بينهما فكان شريح بعد ذلك يقول: ما ندمت على شئ كندامتي أن لا أكون ضربت عمروا بالسيف بدل السوط اتى الدهر بما أتى، والتمس أصحاب علي (ع) أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكة ولم يعد إلى الكوفة لئلا ينظر إلى وجه علي (ع). فكان ابن عباس يقول: قبح الله أبا موسى لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما عقل، وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس حذرة الفاسق ولكني اطمأننت وظننت إنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة، ورجع عمرو من دمة الجندل إلى منزله وكتب إلى معاوية:
أتتك الخلافة من فوقه * هنيئا مريئا تقر العيونا تزف إليك زفاف العروس * بأهون من طعنك الدارعينا فخذها ابن هند على بعدها * فقد دافع الله ما تحذرونا وقد صرف الله عن شامكم * عدوا مبينا وحربا زبونا