وقد نشرت شعرها وضربت صدرها وتقوس ظهرها، وابيضت عينها لفقدي، فإذا صلى على الجنازة ورفع من الصلاة، ورجع بعض أصدقائه يقول: يا اخوتاه كنت اعلم إن الميت ينسوه الاحياء لكن لا بهذه السرعة وجسمي بعد بين أظهركم.
فإذا وضع في لحده ووضع عليه التراب ينادي وا ورثتاه تركت لكم الكثير فلا تنسوني، تصدقوا عني على فقرائكم ولو بكسر خبر محترق، وعلمت لكم القرآن والآداب فلا تنسوني من الدعاء فأني صرت محتاجا كفقرائكم على أبوابكم، ومحتاجا إلى دعائكم كصاحب حاجتكم إلى ساداتكم، نعم محتاجون في غاية الاحتياج يحتاجون إلى دعائكم وترحيمكم وصدقاتكم لأنهم في نهاية الشدة ادخلوا في القبر، وقد حفت بهم السيئات، وأيديهم خالية من الحسنات. كما قال (ع): دهمته الفجائع والأهوال وضيق به لحده واحتوشته ملائكة العذاب ومرارة الموت في حلقه لا أحد يفرج عنه الكرب، ولا واحد يدفع عنه الهم.
مر عيسى (ع) على قبر فرأى فيه عذابا شديدا فدعا الله حتى أحياه، فقال له:
فلم تعذب؟ قال: كنت جالسا في سوق مصر وقد أكلت شيئا فأخذت عودة من حزمة شوك لا خلل بها أسناني ومت منذ أربعة آلاف سنة وأنا في عذابها ثم قال: يا روح الله منذ أربعة آلاف سنة ومرارة الموت باقية في حلقي فقال: اللهم يسر علينا سكرات الموت.
وعن وهب بن منبه: إن عيسى (ع) مر على نهر ماء عذب وحوله خابية كلما يضع فيها من ذلك الماء يصير مالحا فقال: إلهي ما خبر هذا الماء المالح فاذن الله للجابية بالكلام فقالت: اني كنت آدميا فبقيت في قبري ثلاثمائة سنة ثم جاء اللبان فضرب ترابي لبنا وبنيت في قصر ثلاثمائة سنة ثم خرب القصر فبقيت ترابا مائة سنة، ثم صنعوني هذه الخابية وكلما يجعل في يكون مالحا لما في مرارة نزع الروح، وانا معذب منذ مت لأني أخذت أبرة من جارية وما رددتها حتى مت فما أدري إن عذابي أشد أم مرارة الموت؟
فقال عيسى: اللهم يسر علينا الموت ونجنا من عذاب القبر.
ونقل إن عيسى لما فدن أمه مريم قال: السلام عليك يا أماه فأجابته من جوف القبر: وعليك السلام حبيبي وقرة عيني، فقال لها: كيف وجدت طعم الموت؟ فقالت والذي بعثك بالحق ما ذهبت مرارة الموت من حلقي ولساني.