أمير المؤمنين (ع) وقال: فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني، وان شئت ان تجعلني ثانيا أو ثالثا فاجعلني، فاني أخاف ان يخدع أبو موسى، فعرض علي (ع) ذلك على الناس فأبوه، وقالوا: لا يكون إلا أبو موسى.
قال: فلما رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى اخذوا في سطر الكتاب - يعني كتاب الموادعة - وكانت صورته: هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين (ع) ومعاوية بن أبي سفيان قاضي علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، وقاضي معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين، اننا ننزل عند حكم الله وكتابه، وان كتاب الله سبحانه بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن، ونميت ما أمات القرآن، فان وجد الحكمان ذلك في كتاب الله اتبعناه، وان لم يجداه اخذا بالسنة العادلة غير المفرقة - يعني ينظر الحكمان في القرآن - فإن كان علي أفضل أثبتاه في الخلافة وإن كان معاوية أفضل أثبتا معاوية في الخلافة، وان لم يجدا ذلك من كتاب الله رجعا إلى السنة العادلة، والحكمان: أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص.
وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين انهما آمنان على أنفسهما واموالهما وأهلهما والأمة لهما أنصار، وعلى الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد الله ان يعملا بما يقضيان عليه مما وافق الكتاب والسنة، وان الامن والأمان والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم، وعلى كل واحد من الحكمين عهد الله ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى، وأجل الموادعة سنة كاملة وان أحب الحكمان ان يعجل الحكم عجلاه، وان توفي أحدهما كان نصيب غيره إلى أصحابه ممن يرتضون امره ويحمدون طريقه، اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيها إلحادا وظلما.
فلما قرأ معاوية الكتاب قال: بئس الرجل، انا ان أقررت إنه أمير المؤمنين ثم قاتلته، فقال عمرو بن العاص: إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا، فلما أعيد الكتاب إلى علي (ع) أمر بمحوه، فقا الأحنف: لا تمح اسم امرة المؤمنين عنك فاني أتخوف ان محوتها أن لا ترجع إليك ابدا فلا تمحها، فقال (ع): وان هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول الله (ص).