ارم ببصرك أقصى القوم وغض ببصرك، واعلم إن النصر من عند الله سبحانه.
وكان محمد بن الحنفية بطلا شجاعا، وأسدا ضاريا، ودفع أمير المؤمنين (ع) الراية إليه بعد أن استوت الصفوف، وقال (ع): أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه وهذه الأنصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار، فتقدم محمد فرشقته السهام فالتفت لأصحابه وقال: رويدا لينفذ سهامهم فوقف فقال أمير المؤمنين (ع): إحمل عليهم، قال محمد يا أمير المؤمنين اما ترى السهام كأنها شآبيب المطر، فدفع صدره وقال: أدركك عرق من أمك، ثم اخذ الراية فهزها وقال:
أطعن بها أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا المسدد فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يده اليمنى ثم حمل بنفسه على عسكر الجمل فضعضع أركان العسكر فدخل وسطهم وضربهم بالسيف، والرجال تفر من بين يديه، وتنحاذ عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى، وانحنى سيفه فرجع إلى معسكره، وقال لمحمد: هكذا تصنع يا بن الحنفية؟ فقال الناس: من الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين؟.
فأخذ الراية محمد بن الحنفية: وحمل على القوم حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم فابلى بلاء حسنا ورجع إلى أبيه ليأمره بأمره، فأمره بميمنة القوم فحمل أيضا كذلك، ولم يزل يحمل ويقتل القوم ويفرقهم تفريقا فقال خزيمة بن ثابت لأمير المؤمنين (ع): اما إنه لو كان غير محمد لافتضح، وقالت الأنصار: يا أمير المؤمنين لولا الحسن والحسين عليهم السلام لما قدمنا على محمد أحدا، فقال أمير المؤمنين (ع):
أين النجم من الشمس والقمر، وأين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان أمير المؤمنين (ع) يقذف محمدا في مهالك الحرب ويكف حسنا وحسينا حتى إن الناس قالوا: لمحمد: إن أباك يلقيك في مهالك الحرب ويكف الحسن والحسين عليهما السلام؟ فقال محمد: إنهما عيناه وانا يمينه فهو يدفع عينيه بيمينه، وكان يقول في يوم صفين: املكوا عني هذين الفتيين أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله (ص).