الايمان فيما هو سبب للخروج من دار الكفر، لا فيما هو سبب للدخول في دار الايمان وبهذا التقرير تندفع المنافاة بين القولين قوله عليه السلام: " أو صغيرة " يدل على أن الصغيرة أيضا مخرجة من الايمان مع أنها مكفرة مع اجتناب الكبائر، ويمكن حمله على الاصرار كما يومئ إليه ما بعده، أو على أن المراد بها الكبيرة أيضا لكن بعضها صغيرة بالإضافة إلى بعضها التي هي أكبر الكبائر فالمراد بقوله " نهى الله عنها " نهيه عنها في القرآن، وإيعاده عليها النار فيه، والخبر يدل على أن جحود المعاصي و استحلالها موجبان للارتداد، وكأنه محمول على ما إذا كان من ضروريات الدين فيؤيد التأويل الثاني، فان أكثر ما نهي عنه في القرآن كذلك أو على ما إذا جحد واستحل بعد العلم بالتحريم، ويدل على أن المرتد مستحق للقتل، وإن كان يفعل ما يؤذن بالاستخفاف في الدين، ويومئ إليه عدم قبول توبته للمقابلة، فيحمل على الفطري وعلى أنه مستحق للنار وإن تاب.
وجملة القول فيه أن المرتد على ما ذكره الشهيد رفع الله درجته في الدروس وغيره: هو من قطع الاسلام بالاقرار على نفسه بالخروج منه، أو ببعض أنواع الكفر، سواء كان مما يقر أهله عليه أولا، أو بانكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو باثبات ما علم نفيه كذلك، أو بفعل دال عليه صريحا كالسجود للصنم والشمس وإلقاء المصحف في القذر قصدا، أو إلقاء النجاسة على الكعبة، أو هدمها أو إظهار الاستخفاف بها.
وأما حكمه فالمشهور بين الأصحاب أن الارتداد على قسمين: فطرى وملي فالأول ارتداد من ولد على الاسلام بأن انعقد [نطفته] حال إسلام أحد أبويه، وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع عليه، ويتحتم قتله، وتبين منه امرأته وتعتد منه عدة الوفاة وتقسم أمواله بين ورثته، وهذا الحكم بحسب الظاهر لا إشكال فيه بمعنى تعين قتله وأما فيما بينه وبين الله، فاختلفوا في قبول توبته فأكثر المحققين ذهبوا إلى القبول حذرا من تكليف ما لا يطاق، لو كان مكلفا بالاسلام، أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالاجماع، فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله