طريق التأويل وبينا كيف التوصل إليه، فأما حكايته تعالى عن سليمان عليه السلام: " يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين " (1) فالمراد به أنه علم ما يفهم به ما تنطق به الطير وتتداعى في أصواتها وأغراضها ومقاصدها بما يقع منها من صياح على سبيل المعجزة لسليمان عليه السلام، وأما الحكاية عن النملة بأنها قالت: " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان " (2) فقد يجوز أن يكون المراد به أنه ظهر منها دلالة القول على هذا المعنى، وأشعرت باقي النمل وخوفتهم من الضرر بالمقام، وأن النجاة في الهرب إلى مساكنها، فتكون إضافة القول إليه مجازا أو استعارة، كما قال الشاعر:
وشكا إلى بعيرة وتحمحم (3) وكما قال الآخر:
وقالت له العينان: سمعا وطاعة ويجوز أن يكون وقع من النملة كلام ذو حروف منظومة كما يتكلم أحدنا يتضمن المعاني المذكورة ويكون ذلك معجزة لسليمان عليه السلام لان الله تعالى سخر له الطير وافهمه معاني أصواتها على سبيل المعجز له، وليس هذا بمنكر فان النطق بمثل هذا الكلام المسموع منا لا يمتنع وقوعه ممن ليس بمكلف (4) ولا كامل العقل، ألا ترى أن المجنون ومن لم يبلغ الكمال من الصبيان قد يتكلمون بالكلام المتضمن للأغراض، وإن كان التكليف والكمال عنهم زائلين، والقول فيما حكي عن الهدهد يجري على الوجهين اللذين ذكرناهما في النملة، فلا حاجة بنا إلى إعادتهما، وأما حكاية أنه قال: " لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين " (5)