إذا حاول طلب الرعي، ولبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كأخمص القدم تنطبق على الأرض ليتهيأ للركوب والحمولة.
تأمل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين خلقت (1) ذوات أسنان حداد، وبراثن شداد، وأشداق وأفواه واسعة، فإنه لما قدر أن يكون طعمها اللحم خلقت خلقة تشاكل ذلك وأعينت بسلاح وأدوات تصلح للصيد، وكذلك تجد سباع الطير ذوات مناقير ومخاليب مهيأة لفعلها، ولو كانت الوحوش ذوات مخالب كانت قد أعطيت ما لا يحتاج إليه لأنها لا تصيد ولا تأكل اللحم، ولو كانت السباع ذوات أظلاف كانت قد منعت ما تحتاج إليه أعني السلاح الذي به تصيد وتتعيش، أفلا ترى كيف أعطي كل واحد من الصنفين ما يشأ كل صنفه وطبقته بل ما فيه بقاؤه وصلاحه؟
انظر الآن إلى ذوات الأربع كيف تراها تتبع أمهاتها (2) مستقلة بأنفسها لا تحتاج إلى الحمل والتربية كما تحتاج أولاد الانس، فمن أجل أنه ليس عند أمهاتها ما عند أمهات البشر من الرفق والعلم بالتربية والقوة عليها بالأكف والأصابع المهيأة لذلك، أعطيت النهوض والاستقلال بأنفسها، وكذلك ترى كثيرا من الطير كمثل الدجاج والدراج والقبج (3) تدرج وتلقط حين ينقاب عنها البيض، فأما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام واليمام والحمر فقد جعل في الأمهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام في أفواهها بعد ما توعيه حواصلها، فلا تزال تغذوها حتى تستقل بأنفسها ولذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الام على تربية فراخها، فلا تفسد ولا تموت، فكل أعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير.