انظر إلى قوائم الحيوان كيف تأتي أزواجا لتهيأ (1) للمشي ولو كانت أفرادا لم تصلح لذلك، لان الماشي ينقل بعض قوائمه ويعتمد على بعض: فذو القائمتين ينقل واحدة ويعتمد على واحدة، وذو الأربع ينقل اثنين ويعتمد على اثنين، وذلك من خلاف لان ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيه ويعتمد على قائمتين من الجانب الآخر لما يثبت على الأرض كما لا يثبت السرير وما أشبهه، فصار ينقل اليمنى من مقاديمه مع اليسرى من مآخيره، وينقل الأخريين أيضا من خلاف فيثبت على الأرض ولا يسقط إذا مشى.
أما ترى الحمار كيف يذل للطحن والحمولة وهو يرى الفرس مودعا منعما، والبعير لا يطيقه عدة رجال لو استعصى كيف كان ينقاد للصبي؟ والثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتى يضع النير على عنقه ويحرث به؟ والفرس الكريم يركب السيوف والأسنة بالمواتاة (2) لفارسه، والقطيع من الغنم يرعاه رجل واحد، ولو تفرقت الغنم فأخذ كل واحد منها في ناحية لم يلحقها، وكذلك جميع الأصناف المسخرة للانسان، (3) فبم كانت كذلك إلا بأنها عدمت العقل والروية، فإنها لو كانت تعقل وتروى (4) في الأمور كانت خليقة أن تلتوي على الانسان في كثير من مآربه (5) حتى يمتنع الجمل على قائده والثور على صاحبه وتتفرق الغنم عن راعيها وأشباه هذا من الأمور.
وكذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل وروية فتوازرت على الناس كانت خليقة أن تحاجهم (6)، فمن كان يقوم للأسد، والذئاب والنمورة والدببة لو