الطير الطير، والوحش الوحش، والسباع السباع: سلام عليكم هذا يوم صالح (1).
19 - نهج البلاغة من خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوان (2): ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة، ألا ينظرون إلى صغير ما خلق، كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر؟ انظروا إلى النملة في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها وضنت (3) على رزقها، تنقل الحبة إلى حجرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي ورودها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة برفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس (4) ولو فكرت في مجاري اكلها وفي علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينها واذنها، لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كل شئ، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء، كذلك السماء والهواء والرياح والماء، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات (5)، فالويل لمن جحد المقدر، وأنكر المدبر، زعموا أنهم