انظر الآن كيف حياء الأنثى من الفيلة في أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب ارتفع وبرز حتى يتمكن الفحل من ضربها، فاعتبر كيف جعل حياء الأنثى من الفيلة على خلاف ما عليه في غيرها من الانعام، ثم جعلت فيه هذه الخلة ليتهيأ للامر الذي فيه قوام النسل ودوامه.
فكر في خلق الزرافة (1) واختلاف أعضائها وشبهها بأعضاء أصناف من الحيوان، فرأسها رأس فرس، وعنقها عنق جمل، وأظلافها أظلاف بقرة، وجلدها جلد نمر، وزعم ناس من الجهال بالله عز وجل أن نتاجها من فحول شتى، قالوا: وسبب ذلك أن أصنافا من حيوان البر إذا وردت الماء تنزو على بعض السائمة وينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من أصناف شتى، وهذا جهل من قائله وقلة معرفته بالباري جل قدسه، وليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف، فلا الفرس يلقح الجمل، ولا الجمل يلقح البقر، وإنما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله ويقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمارة فيخرج بينهما البغل، ويلقح الذئب الضبع فيخرج بينهما السمع، على أنه ليس يكون في الذي يخرج من بينهما عضو من كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس، وعضو من الجمل، و أظلاف من البقرة، بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل، فإنك ترى رأسه واذنيه وكفله وذنبه وحوافره وسطا بين هذه الأعضاء من الفرس والحمار وشحيجه (2) كالممتزج من صهيل ونهيق الحمار، فهذا دليل على أنه ليست الزرافة من لقاح أصناف شتى من الحيوان كما زعم الجاهلون، بل هي خلق عجيب من خلق الله للدلالة على قدرته التي لا يعجزها شئ، وليعلم أنه خالق أصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من أعضائها في أيها شاء ويفرق ما شاء منها في أيها شاء و يزيد في الخلقة ما شاء وينقص منها ما شاء دلالة على قدرته على الأشياء وأنه لا يعجزه شئ