الأشياء وإن دلفت (1) عساكره نحو بلد من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه ألا ترى أن ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله ورجله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك؟ أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه؟ انظر إليه كيف ينساب (2) على وجه الأرض مثل السيل فيغشى السهل والجبل والبدو والحضر حتى يستر نور الشمس بكثرته، فلو كان مما يصنع بالأيدي متى كان يجتمع منه هذه الكثرة؟ وفي كم من سنة كان يرتفع؟ فاستدل بذلك على القدرة التي لا (3) يؤودها شئ ولا يكثر عليها.
تأمل خلق السمك ومشاكلته للامر الذي قدر أن يكون عليه، فإنه خلق غير ذي قوائم لأنه لا يحتاج إلى المشي إذا كان مسكنه الماء، وخلق غير ذي رية لأنه لا يستطيع أن يتنفس وهو منغمس في (4) اللجة، وجعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاذيف (5) جانبي السفينة، و كسي جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع والجواشن لتقيه من الآفات، فأعين بفضل حس في الشم لان بصره ضعيف والماء يحجبه، فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه (6) وإلا فكيف يعلم به بموضعه؟ واعلم أن من فيه إلى صماخيه منافذ فهو يعب (7) الماء بفيه ويرسله من صماخيه (8) فيتروح إلى ذلك كما يتروح غيره من الحيوان إلى أن تنسم هذا النسيم، فكر الآن في كثرة نسله وما خص به