الأظلاف (1) والحوافر والاخفات ليقيها من الحفاء إذ كانت لا أيدي لها ولا أكف ولا أصابع مهيأة للغزل والنسج فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقتهم باقية عليهم ما بقوا:
لا يحتاجون إلى تجديدها والاستبدال بها، فأما الانسان فإنه ذو حيلة وكف مهيأة للعمل فهو ينسج ويغزل ويتخذ لنفسه الكسوة، ويستبدل بها حالا بعد حال، وله في ذلك صلاح من جهات: من ذلك أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما يخرجه إليه الكفاية، ومنها: أنه يستريح إلى خلع كسوته (2) ولبسها إذا شاء، ومنها:
أنه يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا، لها جمال وروعة (3) فيتلذذ بلبسها وتبديلها، وكذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف والنعال يقي بها قدميه وفي ذلك معايش لمن يعلمه من الناس، ومكاسب يكون فيها معاشهم، ومنها أقواتهم وأقوات عيالهم، فصار الشعر والوبر والصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة، والأظلاف والحوافر والأخفاف مقام الحذاء.
فكر يا مفضل: في خلقة عجيبة في البهائم، فإنهم يوارون أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم، وإلا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها لا يرى منها شئ، وليست قليلة فتخفى لقلتها، بل لو قال قائل: إنها أكثر من الناس لصدق.
فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري والجبال من أسراب الظباء والمها والحمير والوعول والأيائيل وغير ذلك من الوحوش، وأصناف السباع من الأسد والضباع و الذئاب والنمور وغيرها، وضروب الهوام والحشرات ودواب الأرض وكذلك سراب الطير من الغربان والقطا والإوز والكراكي (4) والحمام وسباع الطير