عذ بناها عذابا نكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا " (1) " وفي هذا كله حذوف، وقد أضيف في الظاهر الفعل إلى من هو في الحقيقة متعلق بغيره، والقول في مدح أجناس من الطير والوصف لها بأنها تنطق بالثناء على الله والمدح لأوليائه يجري على هذا المنهاج الذي نهجناه.
فان قيل: كيف يستحق مرتبط هذه الأجناس مدحا بارتباطها ومرتبط بعض آخر ذما بارتباطه حتى علقتم المدح والذم بذلك؟
قلنا: ما جعلنا لارتباط هذه الأجناس حظا في استحقاق مرتبطيها مدحا ولا ذما وإنما قلنا: إنه غير ممتنع أن تجري عادة المؤمنين الموالين لأولياء الله تعالى والمعادين لأعدائه، بأن بالغوا (2) ارتباط أجناس من الطير، وكذلك تجري عادة بعض أعداء الله تعالى باتخاذ بعض أجناس الطير فيكون متخذ بعضها ممدوحا لا من أجل اتخاذه لكن لما هو عليه من الاتخاذ الصحيح فيضاف المدح إلى هذه الأجناس وهو لمرتبطها والنطق بالتسبيح والدعاء الصحيح إليها وهو لمتخذها تجوزا واتساعا، وكذلك القول في الذم المقابل للمدح.
فإن قيل: فلم نهي عن اتخاذ بعض هذه الأجناس إذا كان الذم لا يتعلق باتخاذها، وإنما يتعلق ببعض متخذيها لكفرهم وضلالهم؟
قلنا: يجوز أن يكون في اتخاذ هذه البهائم المنهي عن اتخاذها وارتباطها مفسدة، وليس يقبح خلقها في الأصل لهذا الوجه لأنها خلقت لينتفع بها من سائر وجوه الانتفاع سوى الارتباط والاتخاذ الذي لا يمتنع تعلق المفسدة به، ويجوز أيضا أن يكون في اتخاذ هذه الأجناس المنهي عنها شوم وطيرة، فللعرب في ذلك مذهب معروف ويصح هذا النهي أيضا على مذهب من نفي الطيرة على التحقيق، لان الطيرة والتشأم وإن كان لا تأثير لهما على التحقيق فان النفوس تستشعر ذلك، ويسبق