وسيقضي بينهما " وعلى (1) هذا فإنما جعلت أمثالنا في الحشر والقصاص (2).
واستدلت جماعة من أهل التناسخ بهذه الآية على أن البهائم والطيور مكلفة لقوله: " أمم أمثالكم " وهذا باطل لأنا قد بينا أنها من اي جهة تكون أمثالنا ولو وجب حمل ذلك على العموم لوجب أن تكون أمثالنا في كونها على مثل صورنا وهيئاتنا وخلقتنا وأخلاقنا، فكيف يصح تكليف البهائم وهي غير عاقلة؟ والتكليف لا يصح إلا مع كمال العقل انتهى (3).
وقال الرازي: للفضلاء فيه قولان:
الأول: أنه تعالى يحشر البهائم والطيور لا يصال الأعواض إليها وهو قول المعتزلة، وذلك لان إيصال الآلام إليها من غير سبق جناية لا يحسن إلا للعوض ولما كان إيصال العوض إليها واجبا فالله تعالى يحشرها ليوصل تلك الأعواض إليها.
والقول الثاني قول أصحابنا: إن الايجاب على الله تعالى محال، بل الله يحشرها بمجرد الإرادة والمشية ومقتضى الإلهية.
واحتجوا على أن القول: بوجوب العوض على الله باطل بأمور:
الأول: أن الوجوب عبارة عن كونه مستلزما للذم عند الترك، وكونه تعالى مستلزما للذم محال، لأنه كامل لذاته، والكامل لذاته لا يعقل كونه مستحقا للذم بسبب أمر منفصل، لان ما يكون لازما بالذات لا يبطل عند عروض أمر من الخارج (4).
الثاني: أنه لو حسن إيصال الضرر إلى الغير لأجل العوض لوجب أن يحسن منا إيصال المضار إلى الغير لأجل التزام العوض من غير رضاه، وذلك باطل، فثبت أن القول بالعوض باطل.
إذا عرفت هذا فلنذكر بعض التفاريع الذي ذكر ها القاضي في هذا الباب: