ومعرفة، بل لهم تكاليف يعاقبون على ترك بعضها في الدنيا وعلى ترك بعضها في الآخرة لا على الدوام، بل في مدة يحصل فيها التقاص بين مظلومها وظالمها، وقد اختلف الحكماء و المتكلمون من الخاص والعام في ذلك، فالحكماء ذهبوا إلى تجرد النفوس الناطقة الانسانية، وإلى أنه لا يتأتي إدراك الكلي إلا من المجرد، فلذا خصوا إدراكه بالانسان، وأما سائر الحيوانات فتدرك بالقوى الدراكة البدنية الأمور الجزئية كادراك الشاة معنى جزئيا في الذئب يوجب نفورها عنه، وأكثر المتكلمين أيضا نفوا عنها الفهم والشعور والعقل التي هي مناط التكليف، وأولوا الآيات والأخبار الواردة في ذلك كما عرفت سابقا وسيأتي، والحق أنه لم يدل دليل قاطع على نفي العقل والتكليف عنها مطلقا، بل إنما يدل على أنها ليست في درجة الانسان في إدراك المعاني الدقيقة والتكاليف العظيمة التي كلف بها الانسان والوعد بالنعيم الدائم والوعيد بالعذاب المخلد، فيحتمل أن تكون مدركة لبعض الأمور الكلية والمصالح الجلية المتعلقة ببقاء نوعها وغذائها ونموها، وملهمة بمعرفة صانعها وطاعة إمام الزمان وسائر الأمور الواردة في الأخبار المعتبرة، ولا استحالة في ذلك، ولا يلزم من ذلك أن تكون كسائر المكلفين مكلفة بجميع التكاليف معاقبة على ترك كلها، وأيضا في التكليف لا يدل على سلب العقول والشعور مطلقا فان المراهقين غير مكلفين قد يكون لهم من إدراك العلوم وتحقيق المطالب ما لم يحصل لكثير من المكلفين على أنه يمكن حمل بعض الآيات والاخبار على أنه تعالى لاظهار المعجز لنبي أو وصي أو الكرامة لولي أعطاها في ذلك الوقت عقلا وشعورا بها يصدر منها بعض أقوال العقلاء وأفعالهم كما مر، أو أوجد فيها كلاما أو فعلا بحيث لا تشعر لما ذكروا وإن كان بعيدا، وأما القول: بأن صدور الأعمال الوثيقة والصنايع الدقيقة منها إنما هي من طبع طبعت عليها من غير شعور بها وفائدتها ففي غاية البعد، ويمكن تأويل ما يوهم ذلك في حديث المفضل على أن المعنى أن الله تعالى يلهمها عند حاجة إلى أمر من الأمور ومصلحة من المصالح ذلك، من غير أن يحصل لها ذلك العلم بالأخذ من معلم أو بتحصيل تجربة أو الرجوع إلى كتاب كما
(٨١)