ما نطق به الفارسي، وإنما أشار إلى معناه، فقد زال التعجب من الموضعين معا وأي شئ أحسن وأبلغ وأدل على قوه البلاغة وحسن التصرف في الفصاحة من أن تشعر نملة لباقي النمل بالضرر لسليمان وجنده بما يفهم به أمثالها عنها، فيحكي هذا المعنى الذي هو التخويف التنفير بهذه الألفاظ المونقة والترتيب الرائق الصادق وإنما يضل عن فهم هذه الأمور وسرعة الهجوم عليها من لا يعرف مواقع الكلام الفصيح ومراتبه ومذاهبه (1).
وقال شارح المقاصد: ذهب جمهور الفلاسفة إلى أنه ليست لغير الانسان من الحيوانات نفوس مجردة مدركة للكليات، وبعضهم إلى أننا لا نعرف وجود النفس لها لعدم الدليل ولا نقطع بالانتفاء لقيام الاحتمال، وما يتوهم من أنه لو كانت لها نفوس لكانت إنسانا، لان حقيقة النفس والبدن لا غير ليس بشئ لجواز اختلاف النفسين بالحقيقة وجواز التميز بفصول آخر لا نطلع على حقيقتها، وذهب جمع من أهل النظر إلى ثبوت ذلك تمسكا بالمعقول والمنقول، أما العقول فهو أنا نشاهد منها أفعالا غريبة تدل على أن لها إدراكات عقلية كالنحل في بناء بيوته المسدسة والانقياد لرئيس، والنمل في إعداد الذخيرة، والإبل والبغل والخيل والحمار في الاهتداء إلى الطريق في الليالي المظلمة، والفيل في غرائب أحوال تشاهد منه، وكثير من الطيور والحشرات في علاج أمراض تعرض لها إلى غير ذلك من الحيل العجيبة التي يعجز عنها كثير من العقلاء، وأما المنقول فكقوله تعالى: " والطير صافات " (2) الآية، وقوله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل " (3) الآية، وقوله تعالى: " يا جبال أو بي معه والطير " (4) وقوله تعالى حكاية عن الهدهد: " أحطت بما لم تحط