أبي كان يغمى عليه تارة ويفيق أخرى، فلما أفاق قال: يا بني أدركني بعلي ابن أبي طالب قبل الموت، فقلت: وما تصنع بعلي بن أبي طالب، وقد جعلتها شورى، وأشركت عنده غيره؟
قال: يا بني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن في النار تابوتا يحشر فيه اثنا عشر رجلا من أصحابي، ثم التفت إلى أبي بكر، وقال: احذر أن تكون أولهم، ثم التفت إلى معاذ بن جبل وقال: إياك يا معاذ أن تكون الثاني، ثم التفت إلي ثم قال: يا عمر إياك أن تكون الثالث، وقد أغمي عليه فأفاق.
ثم قال: علي بابني، ورأيت التابوت وليس فيه إلا أبو بكر ومعاذ بن جبل وأنا الثالث لا أشك فيه.
قال عبد الله: فمضيت إلى علي بن أبي طالب وقلت: يا بن عم رسول الله إن أبي يدعوك لأمر قد أحزنه، فقام علي عليه السلام معه، فلما دخل عليه قال له:
يا بن عم رسول الله ألا تعفو عني وتحللني عنك، وعن زوجتك فاطمة، واسلم إليك الخلافة؟ فقال له علي: نعم غير أنك تجمع المهاجرين والأنصار، واعط الحق الذي خرجت عليه من ملكه، وما كان بينك وبين صاحبك من معاهدتنا، وأقر لنا بحقنا، وأعفو عنك، وأحللك، وأضمن لك عن ابنة عمي فاطمة.
قال عبد الله: فلما سمع ذلك أبي حول وجهه إلى الحائط، وقال: النار يا أمير المؤمنين ولا العار، فقام علي صلوات الله عليه وخرج من عنده، فقال له ابنه: لقد أنصفك الرجل يا أبت، فقال له: يا بني إنه أراد أن ينشر أبا بكر من قبره، ويضرم له ولابيك النار، وتصبح قريش موالين لعلي بن أبي طالب، والله لا كان ذلك أبدا.
قال: ثم إن عليا قال لعبد الله بن عمر: ناشدتك بالله يا عبد الله بن عمر ما قال لك حين خرجت من عنده؟ قال: أما إذا ناشدتني الله وما قال لي بعدك فإنه قال: إن أصلع قريش يحملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم.