يعرف هذا المثل ومعناه فهو طريف وإن كان قد سمعه وجهل ان معني بيت البحتري يطابقه فهو أطرف. فأما قوله - من ملة - فإنما أراد به من ملل وملة فعلة من الملل وكيف يكون من تملى العيش ولم يسمع في تمليت مله وهذا خطأ على خطأ. وقال البحتري ما كان شوقي ببدع يوم ذاك ولا * دمعي بأول دمع في الهوى سفحا ولمة كنت مشغوفا بجدتها * فما عفا الشيب عنها لا ولا صفحا وقال أيضا وما أنس لا أنس عهد الشباب * وعلوة إذ عيرتني الكبر كواكب شيب علقن الصبا * فقللن من حسنه ما كثر وإني وجدت ولا يكذبن * سواد الهوي في بياض الشعر ولا بد من ترك إحدى اثنتين * إما الشباب وإما العمر قال الآمدي وعليه في قوله - ولا بد من ترك إحدى اثنتين - معارضة وهو أن يقال إن من مات شابا فقد فارق الشباب وفاته العمر فهو تارك لهما معا ومن شاب فقد فارق الشباب وهو مفارق للعمر لا محالة فهو أيضا تارك لهما جميعا. وقوله إما وإما لا توجب الا أحداهما قال والعذر للبحتري أن يقال إن من مات شابا فقد فارق الشباب وفاته العمر وحده لأنه لا يعمر فيكون مفارقا للعمر ألا ترى أنهم يقولوا عمر فلان إذا أسن وفلان لم يعمر إذا مات شابا ومن شاب وعمر ثم مات لم يكن مفارقا للشباب في حال موته لأنه قد قطع أيام الشباب وتقدمت مفارقته له وإنما يكون في حال موته مفارقا للعمر وحده فإلى هذا ذهب البحتري وهو صحيح ولم يرد بالعمر المدة القصيرة التي يعمرها الانسان وإنما أراد بالعمر ههنا الكبر كما قال زهير رأيت المنايا خبط عشوى فمن تصب * تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم [قال الشريف المرتضى] رضي الله عنه. وما رأيت أشد تهافتا في الخطأ منه فيما يفسره ويتكلم عليه من شعر هذين الرجلين ومعنى البيت غير ما تو همه وهو أظهر من
(٧٨)