هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة ولو كان هذا يجوز لقيل ان المولى من فوق هو الذي أعتق والمولى من أسفل هو الذي أعتق والناس إنما يعلون بالعطايا لا بالسؤال.. [قال المرتضى] رضي الله عنه وعندي (1) ان معنى قوله عليه الصلاة والسلام اليد العليا خير من اليد السفلى غير ما ذكر من الوجهين جميعا وهو أن تكون اليد ههنا هي العطية والنعمة لان النعمة قد تسمى يدا في مذهب أهل اللسان بغير شك فكأنه صلى الله عليه وسلم أراد ان العطية الجزيلة خير من العطية القليلة وهذا حث منه صلى الله عليه وسلم على المكارم وتحضيض على اصطناع المعروف بأوجز الكلام وأحسنه مخرجا.. ويشهد لهذا التأويل أحد التأويلين المتقدمين في قوله ما أبقت غنى وهذا أشبه وأولى من أن تحمل على الجارحة لان من ذهب إلى ذلك وجعل المعطية خيرا من الآخذه لا يستمر قوله لان فيمن يأخذ من هو خير عند الله تعالى ممن يعطي ولفظة خير لا تحمل إلا على الفضل في الدين واستحقاق الثواب.. وأما من جعل الآخذة خيرا من المعطية فيدخل عليه هذا الطعن أيضا مع أنه قد قال قولا شنيعا وعكس الأمر على ما قال ابن قتيبة.. فان قيل كيف يصح تأويلكم مع قوله عليه الصلاة والسلام خير الصدقة ما أبقت غنى وهي لا تبقى غنى إلا بعد أن تنقص من غيرها وإذا كانت العطية التي هي أجزل أفضل فتلك لا تبقى غنى والتي تبقى غني ليست
(٦٧)