يفعل الكفر والقبيح لأن ملة قومه كانت كفرا وضلالا وقد أخبر انه لا يعود فيها إلا أن يشاء الله.. الجواب قيل له في هذه الآية وجوه.. أو لها أن يكون الملة التي عناها الله إنما هي العبادات الشرعيات التي كان قوم شعيب متمسكين بها وهي منسوخة عنهم ولم يعن بها ما يرجع إلى الاعتقادات في الله وصفاته مما لا يجوز أن تختلف العبادة فيه والشرعيات يجوز فيها اختلاف العبادة من حيث تبعت المصالح والألطاف والمعلوم من أحوال المكلفين فكأنه قال إن ملتكم لا نعود فيها مع علمنا بان الله قد نسخها وأزال حكمها إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بمثلها فنعود إليها وتلك الأفعال التي كانوا متمسكين بها مع نسخها عنهم ونهيهم عنها وإن كانت ضلالا وكفرا فقد كان يجوز فيما هو مثلها أن يكون إيمانا وهدى بل فيها أنفسها قد كان يجوز ذلك وليس تجرى هذه الأفعال مجرى الجهل بالله تعالى الذي لا يجوز أن يكون إلا قبيحا.. وقد طعن بعضهم على هذا الجواب فقال كيف يجوز أن يتعبدهم الله تعالى بتلك الملة مع قوله (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها).. فيقال له لم ينف عودهم إليها على كل حال وإنما نفى العود إليها مع كونها منسوخة منهيا عنها والذي علقه بمشيئة الله تعالى من العود إليها هو بشرط أن يأمر بها ويتعبد بمثلها والجواب مستقيم لا خلل فيه.. وثانيها انه أراد ان ذلك لا يكون أبدا من حيث علقه بمشيئة الله تعالى لما كان معلوما انه لا يشاؤه وكل أمر علق بما لا يكون فقد نفى كونه على أبعد الوجوه وتجري الآية مجرى قوله تعالى (لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وكما يقول القائل أنا لا أفعل كذا حتى يبيض القار أو يشيب الغراب.. وكما قال الشاعر وحتى يؤب القارظان كلاهما * وينشر في القتلى كليب لوائل (1)
(٦٤)