كتبهم الأصولية ومؤلفاتهم في بحت الاجتهاد خاصة، وما زال عملهم عليه من الصدر الأول وفيهم في كل عصر مجتهدون يرجع إليهم في فتاواهم. ويطلق تارة أخرى على معنى أوسع نطاقا من ذلك من العمل بالأقيسة والاستحسان والمصالح المرسلة وأشباههما، مما يورث غلبة الظن لصاحبه على ما أفتى به كما هو المتداول بين فقهاء المذاهب المعروفة، وهذا المعنى هو الذي ينفيه الشيعة ويبطلون العمل بمقتضاه في الأحكام الشرعية إذ ليس إلا تعويلا على الظن الذي لا دليل على حجيته وجواز العمل بمقتضاه من الشرع، بل ورد النهي عن اتباعه في آيات الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
ومن أطلق القول بنفي الاجتهاد وبطلانه من الإمامية فإنما نظره إلى هذا المعنى، فإن أهل الرأي قد شهروا أنفسهم بهذه السمة حتى صار كالعلم لهم دون الاجتهاد بالمعنى الأول الذي ذكرنا أنه معتبر عندهم. والعمل بالرأي بهذا النحو كان موجودا من الصدر الأول، فقد نقل عن بعض الصحابة والتابعين قضايا أفتوا فيها بمقتضى ما كانوا يرونه فيها، كما أنه قد أثر عن جماعة من أجلائهم النكير لهذا النوع من الرأي والتحذير منه، مخافة أن يؤدي هذا النوع من الاسترسال في الرأي إلى ترك بعض الأحكام والسنن المروية، إذ لم يكن من الميسور الإحاطة بكل الآثار والسنن لكل أحد فلا يبعد أن يفتي بخلاف شئ منها مما لم يعثر عليه، وبالجملة الاجتهاد الذي ينفيه الشيعة هو هذا المعنى دون المعنى الأول.
وأما المقام الثاني، فالقياس هو إثبات حكم المقيس عليه في المقيس بجامع أو تعدية الحكم المتحد من الأصل إلى الفرع لعلة متحدة بينهما، وعرف بتعاريف أخرى لا يهمنا التعرض إليها وتصحيحها وتزييفها بعد وضوح المقصود من ذلك. وقد استقر مذهب الشيعة على المنع من العمل به وعدم جواز التعويل عليه ويوافقهم في ذلك بعض الفقهاء، وأما سائر فقهاء المذاهب فيأخذون به ويعملون بمقتضاه. والسبب الذي أحوجهم إلى العمل به أنهم يقولون: إن مسائل ونوازل ترد علينا لا بد من تعرف