ولما كانت الشيعة تختلف عن الطوائف المخالفة لها في قسم مهم من الاعتقادات في أصول الدين وفي كثير من العمليات الفقهية، وتستجلب المخالفة - بالطبع - رقابة وحزازة في النفوس، وقد يجر إلى اضطهاد أقوى الحزبين لأضعفه، أو إخراج الأعز منهما الأذل كما يتلوه علينا التاريخ وتصدقه التجارب، لذلك أضحت شيعة الأئمة من آل البيت تضطر في أكثر الأحيان إلى كتمان ما تختص به من عادة أو عقيدة أو فتوى أو كتاب أو غير ذلك، تبتغي بهذا الكتمان صيانة النفس والنفيس والمحافظة على الوداد والأخوة مع سائر إخوانهم المسلمين، لئلا تنشق عصا الطاعة ولكي لا يحس الكفار بوجود اختلاف ما في الجامعة الإسلامية فيوسعوا الخلاف بين الأمة المحمدية.
لهذه الغايات النزيهة كانت الشيعة تستعمل التقية وتحافظ على وفاقها في الظواهر مع الطوائف الأخرى متبعة في ذلك سيرة الأئمة من آل محمد - عليهم السلام - و أحكامهم الصارمة حول وجوب التقية من قبيل: (التقية ديني ودين آبائي) و (من لا تقية له لا دين له) إذ أن دين الله يمشي على سنة التقية لمسلوبي الحرية، ودلت على ذلك آيات من القرآن العظيم منها: في سورة المؤمن 28: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله)، وفي سورة النحل 106: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، لا سيما على ما نختاره من كون (من) في قوله: (من كفر) أداة استفهام وأن المعنى: (من ذا الذي كفر بالحق بعد علمه به)؟
إلا إذا كان كفره صوريا ممن يكرهون على إظهار الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان، كعمار ابن ياسر الصحابي الذي نزلت الآية فيه، غير أن التقية لها شروط وأحكام أوضحها العلماء في كتبهم الفقهية. انتهى.
انظر رسالة (أجوبة مسائل جار الله) ص 68 - 76 طبع صيدا، بقلم العلامة الكبير والمحقق الخبير السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي - حفظه الله علما للعلم