الكعبة فكانوا يطوفون بها عراة ويقولون: لا نطوف عليها في ثياب أصابتنا فيها المعاصي، وكلما طافوا بها شوطا سجدوا لها، فظهر كفرهم بسبب ذلك ظهورا لا يتمكنون من دفعه، فكأنهم شهدوا به على أنفسهم، وبهذا صح المجاز على سبيل التمثيل في هذه الآية، ونحوها قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) إذ لا قول هنا من الله - عز وجل - ولا منهما قطعا، وإنما المراد أنه سبحانه شاء تكوينهما فلم يمتنعا عليه وكانتا في ذلك كالعبد السامع المطيع يتلقى الأمر من مولاه المطاع. وعلى هذا جاء قوله تعالى: (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) 1 ضرورة أن القول في هذه الآية ليس على حقيقته، والحقيقة ما اقتبسه الإمام زين العابدين - عليه السلام - من مشكاة هاتين الآيتين، إذ قال في بعض مناجاة ربه عز وجل: (وجرى بقدرتك القضاء ومضت على إرادتك الأشياء فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة) ومما جاء في القرآن الحكيم من المجاز على سبيل التمثيل قوله عز من قائل:
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان) 2 الآية، لأن عرضها على السماوات والأرض والجبال لم يكن على ظاهره، وكذلك إباؤها وإشفاقها وما هو إلا مجاز على سبيل التمثيل والتصوير تقريبا للأذهان وتعظيما لأمر الأمانة وإكبارا لشأنها، والأمانة هنا هي طاعة الله ورسوله في أوامرهما ونواهيهما كما يدل عليه سياق الآية وصحاح السنة في تفسيرها، ولو أردنا استقصاء ما جاء في الذكر الحكيم والفرقان العظيم من هذه الأمثال، لطال بنا البحث وخرجنا به عن القصد، وحسبك توبيخه - عز وجل - لأهل الغفلة من قوارع القرآن الحكيم المستخفين بأوامره وزواجره إذ يقول وهو أصدق القائلين: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس