وبفلان جواز الاستعمال بالباء أيضا حقيقة. وفيه دلالة على تأكد صلة الأرحام لأنه سبحانه خصها بالذكر وقرنها باسمه ونسب حفظها وضبطها إليه جل شأنه دون الملكين وهو دل على عظمة شأنها ورفعة مكانها، وإليه يشير قوله (عليه السلام): «ألا ترى أنه جعلها منه».
بقي شيء ينبغي الإشارة إليه وهو تحقيق معنى الرحم فنقول: قيل: الرحم والقرابة نسبة واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحدة، وهذا يشبه أن يكون دوريا، وقيل: الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه آبائه وإن علوا وأبنائه وإن سفلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات والإخوة والأخوات وأولادهم، وقيل الرحم التي تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان ذكرا لم يتناكحا. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال، وقيل: هي عام في كل رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات وإن بعدوا، وهذا أقرب إلى الصواب ويدل عليه ما رواه علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) أنها نزلت في بني أمية وما صدر منهم بالنسبة إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤيده روايات أخر. والظاهر أنه لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة وأن لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض وأدناها الكلام والسلام وترك المهاجرة، وتختلف ذلك أيضا باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها، ومن قصر عما ينبغي أو قصر عما يقدر عليه هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل، والأقرب عدم القطع لصدق الصلة في الجملة.
2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار قال: قال: بلغني عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم؟ قال: إذا يرفضكم الله جميعا، قال: فكيف أصنع؟ قال:
تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهير.
* الشرح:
قوله (وشتيمة اه) الشتيمة دشنام وهي اسم من شتمه شتما من باب ضرب، ورفض الله كناية عن سلب الرحمة والنصرة وإنزال العقوبة عاجلا وآجلا، وتصل وما عطف عليه خبر بمعنى الأمر والظهير الناصر والمعين وهو رب العالمين وصالح المؤمنين وجميع المقربين، فأي وزن لقطع أهل البيت وإهانتهم لك إن وصلتهم بعد نصرة هؤلاء.
3 - وعنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن