معين لا يملك ان يعتدى إلى غيره لان المتصرف بحكم الآمر لا يملك التعدي عن موضع الامر وليس للوكيل بقبض الدين أن يأخذ عوضا عن الدين وهو أن يأخذ عينا مكانه لأن هذه معاوضة مقصودة وانها لا تدخل تحت التوكيل بقبض الدين وهذا لما بينا ان قبض الدين حقيقة لا يتصور لما ذكرنا فلا يتصور التوكيل بقبضه حقيقة الا أن التوكيل بقبض الدين جعل توكيلا بالمعاوضة ضرورة تصحيح التصرف ودفع الحاجة المعلقة بالتوكيل بقبض الدين وحق الضرورة يصير مقضيا بثبوتها ضمنا للعقد فبقيت المعاوضة المقصودة خارجة عن العقد أصلا فلا يملكها الوكيل ولو كان لرجل على رجل دين فجاء انسان إلى الغريم وقال إن الطالب أمرني أن أقبضه منك فان صدقه الغريم وأراد أن يدفع إليه لا يمنع منه وان أبى أن يدفع إليه يجبر على الدفع في الدين وفي العين لا يجبر عليه والفرق أن التصديق في الدين اقرار على نفسه فكان مجبورا على التسليم وفي العين اقرار على غيره فلا يصح الا بتصديق ذلك الغير وان لم يصدقه لم يجبر على الدفع فان دفعه إليه ثم جاء الطالب فان صدقه مضى الامر وان كذبه وأنكر أن يكون وكله بذلك فهذا على وجوه ثلاثة اما ان صدقه ودفعه إليه واما ان كذبه ومع ذلك دفع إليه واما ان لم يصدقه ولم يكذبه ودفع إليه فان صدقه في الوكالة ولم يضمنه فجاء الطالب يقال له ادفع الدين إلى الطالب ولا حق لك على الوكيل لأنه لما صدقه في الوكالة فقد أقر بوكالته واقراره صحيح في حق نفسه فكأنه يقول إن الوكيل كان محقا في القبض وان الطالب ظالم فيما يقبض منى وان ظلم على مبطل فلا أظلم عليم محق وان صدقه وضمنه ما دفع إليه ثم حضر الطالب فأخذ منه يرجع هو على القابض لان الغريم وان أقران القابض محق في القبض بتصديقه إياه في الوكالة فعنده ان الطالب مبطل فيه ظالم فيما يقبض منه فإذا ضمنه فقد أضاف الضمان إلى ما يقبضه الطالب عنه بغير حق وإضافة الضمان إلى المقبوض المضمون صحيح كما إذا قال ما غصبك فلان فعلى وان كذبه في الوكالة ومع ذلك دفع إليه له أن يضمن الوكيل لان عنده انه مبطل في القبض وإنما دفعه إليه على رجاء ان يجوزه الطالب وكذا إذا لم يصدق ولم يكذب لأنه لم يوجد منه الاقرار بكونه محقا في القبض فيملك الرجوع عليه الوكيل بقبض الدين إذا قبضه فوجده معيبا فما كان للموكل رده فله رده وأخذ بدله لأنه قائم مقام الموكل فهو يملك قبض حقه أصلا ووصفا فكذا الوكيل ولو وكل رجلا يقبض دين له على رجل وغاب الطالب فادعى الغريم انه قد أوفاه الطالب لا يحتاج الوكيل إلى إقامة البينة ولا إلى احضار الطالب ليحلفه لكن يقال للغريم ادفع الدين إلى الوكيل ثم اتبع الطالب وحلفه ان أردت يمينه فان حلف والا رجعت عليه لأنه مقر بالدين والدين مقضى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم بسقوطه بدعوى الايفاء مع الاحتمال بل يجبر على التسليم إلى الوكيل وكذلك الوكيل بطلب الشفعة إذا ادعى المشترى أن الشفيع قد سلم للشفعة يؤمر بتسليم الدار إلى الوكيل ثم يقال له اتبع الشفيع وحلفه ان أردت يمينه لان المشترى مقر بثبوت حق الشفعة لان تسليم الشفعة بعد ثبوتها يكون فلا يبطل الحق الثابت بدعوى التسليم مع الاحتمال فيؤمر بتسليم المشترى إلى الوكيل وهذا بخلاف الوكيل بالرد بالعيب إذا ادعى البائع أن المشترى قد رضى بالعيب انه لا يكون للوكيل حق الرد حتى يحضر الموكل فيحلف بالله تعالى ما رضى بهذا العيب لان البائع بقوله رضى المشترى بالعيب لم يقر بثبوت حق الرد بالعيب إذ ليس كل عيب موجبا للرد ألا ترى انه لو اشتراه وهو عالم بعيبه ليس له حق الرد مع وجود العيب فيتوقف على حضور الموكل ويمينه فان أراد الغريم أن يحلف الوكيل بالله عز وجل ما يعلم أن الطالب قد استوفى الدين لم يكن له أن يحلفه عند أبي حنيفة وأبى يوسف وقال زفر يحلفه على علمه فان أبى أن يحلف خرج عن الوكالة ولم يبرأ الغريم وكان الطالب على حجته (وجه) قول زفر أن هذا أمر لو أقر به الوكيل للزمه وسقط حقه من القبض فإذا أنكر يستحلف لجواز انه ينكل عن اليمين فيسقط حقه (ولنا) قول النبي عليه الصلاة والسلام واليمين على المدعى عليه والغريم ما ادعى على الوكيل شيئا وإنما ادعى على الموكل فكانت اليمين عليه واليمين مما لا تجرى فيه النيابة فلا بثبت للغريم ولاية استحلاف الوكيل وهذا بخلاف ما إذا مات الطالب فادعى الغريم انه قد كان استوفاه حال حياته وأنكر الوارث ان له أن يستحلف الوراث على علمه
(٢٦)