لاحد الخصمين قبل سماع كلام الآخر والقضاء بالحق للمدعى حال غيبة المدعى عليه قضاء لاحد الخصمين قبل سماع كلام الآخر فكان منهيا عنه ولان القاضي مأمور بالقضاء بالحق قال الله تبارك وتعالى جل شأنه يا داود ان جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق وقال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص اقض بين هذين قال أقضى وأنت حاضر بينا فقال عليه الصلاة والسلام اقض بينهما بالحق والحق اسم للكائن الثابت ولا ثبوت مع احتمال العدم واحتمال العدم ثابت في البينة لاحتمال الكذب فلم يكن الحكم بالبينة حكما بالحق فكان ينبغي أن لا يجوز الحكم بها أصلا الا انها جعلت حجة لضرورة فصل الخصومات والمنازعات ولم يظهر حالة الغيبة وقد خرج الجواب عن كلامه ثم إنما لا يحوز القضاء عندنا على الغائب إذا لم يكن عنه خصم حاضر فإن كان يجوز لأنه يكون قضاء على الحاضر حقيقة ومعنى والخصم الحاضر الوكيل والوصي والوارث ومن كان بينه وبين الغائب اتصال فيما وقع فيه الدعوى لان الوكيل والوصي نائبان عنه بصريح النيابة والوارث نائب عنه شرعا وحضرة النائب كحضرة المنوب عنه فلا يكون قضاء على الغائب معنى وكذا إذا كان بين الحاضر والغائب اتصال فيما وقع فيه الدعوى بأن كان ذلك سببا لثبوت حق الغائب لان الحاضر يصير مدعى عليه فيما هو حقه ومن ضرورة ثبوت حقه ثبوت حق الغائب فكان الكل حق الحاضر لان كل ما كان من ضرورات الشئ كان ملحقا به فيكون قضاء على الحاضر حتى أن من ادعى على آخر انه أخوه ولم يدع ميراثا ولا نفقة لا تسمع دعواه لأنه دعوى على الغائب لأنه يريد اثبات نسبه من أب المدعى عليه وأمه وهما غائبان وليس عنهما خصم حاضر لأنه لم توجد الإنابة ولاحق يقضى به على الوارث ليكون ثبوت النسب من الغائب من ضروراته تبعا له فلا تسمع دعواه أصلا ولو ادعى عليه ميراثا أو نفقة عند الحاجة تسمع دعواه وتقبل بينته لأنه دعوى حق مستحق على الحاضر وهو المال ولا يمكنه اثباته الا باثبات نسبه من الغائب فينصب خصما عن الغائب ضرورة ثبوت الحق المستحق تبعا له ولهذا لو أقر بالنسب من غير دعوى المال لا يصح اقراره بخلاف ما لو ادعى على رجل انه أبوه أو ابنه انه يصح من غير دعوى المال الحاضر لأنه ليس فيه حمل نسب الغير على الغير فكان دعوى على الحاضر ألا ترى انه لو أقر به يصح اقراره بخلاف الاقرار بالاخوة وعلى هذا تخرج المسائل المخمسة وتوابعها على ما نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ومنها عدم التناقض في الدعوى وهو أن لا يسبق منه ما يناقض دعواه لاستحالة وجود الشئ مع ما يناقضه وينافيه حتى لو أقر بعين في يده لرجل فامر القاضي بدفعها إليه ثم ادعى انه كان اشتراها منه قبل ذلك لا تسمع دعواه لان اقراره بالملك لغيره للحال يمنع الشراء منه قبل ذلك لأن الشراء يوجب الملك للمشترى فكان مناقضا للاقرار والاقرار يناقضه فلا يصح وكذا لو لم يقر ونكل عن اليمين فقضى عليه بنكوله ثم ادعى انه كان اشتراه منه قبل ذلك لا تسمع دعواه ولا تقبل بينته في ظاهر الرواية لان النكول بمنزلة الاقرار وروى عن أبي يوسف أنه تسمع دعواه وتقبل بينته هذا إذا ادعى انه اشتراه منه قبل الاقرار والنكول فاما إذا ادعى انه اشتراه منه بعد ذلك تسمع دعواه بلا خلاف لان الاقرار بالملك لفلان لا يمنع الشراء منه بعد ذلك لانعدام التناقض لاختلاف الزمان ولو قال هذا لفلان اشتريته منه تسمع منه موصولا قال دلك أو مفصولا لأنه لم يسبق منه ما يناقض الدعوى بل سبق منه ما يقررها لان سابقة الملك لفلان شرط تحقق الشراء منه ولو قال هذا العبد لفلان اشتريته منه موصولا فالقياس أن لا تصح دعواه وفى الاستحسان تصح ولو قال ذلك مفصولا لا تصح قياسا واستحسانا وجه القياس أن قوله هو لفلان اقرار منه بكونه ملكا لفلان في الحال فهذا يناقض دعوى الشراء لأن الشراء يوجب كونه ملكا للمشترى فلا يصح كما إذا قال مفصولا وجه الاستحسان أن قوله هو لفلان اشتريته منه موصولا معناه في متعارف الناس وعاداتهم انه كان لفلان فاشتريته منه قال الله عز وجل واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض أي إذ كنتم قليلا إذ لم يكونوا قليلا وقت نزول الآية الشريفة فيحمل عليه تصحيحا له ولإعادة جرت في المفصول فحمل على حقيقته وهو بحقيقته مناقضة فلا تسمع هذا إذا بين انه اشتراه قبل الاقرار فان بين انه اشتراه بعده تسمع دعواه لانعدام التناقض
(٢٢٣)