الصلاة والسلام الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار والشركة العامة تقتضي الإباحة الا أنه إذا جعل في إناء وأحرزه به فقد استولى عليه وهو عليه وهو غير مملوك لاحد فيصير مملوكا للمستولي كما في سائر المباحات الغير المملوكة وإذا لم يوجد ذلك بقي على أصل الإباحة الثابتة بالشرع فلا يحوز بيعه لان محل البيع هو المال المملوك وليس له أن يمنع الناس من الشفة وهو الشرب بأنفسهم وسقي دوابهم منه لأنه مباح لهم وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن منع نبع البئر وهو فضل مائها الذي يخرج منها فلهم ان يسقوا منها لشفاههم ودوابهم فاما لزروعهم وأشجارهم فله ان يمنع ذلك لما في الاطلاق من ابطال حقه أصلا الا إذا كان ذلك في أرض مملوكة فلصاحبها أن يمنعهم عن الدخول في أرضه إذا لم يضطروا إليه بان وجدوا غيره لان الدخول اضرار به من غير ضرورة فله ان يدفع الضرر عن نفسه وان لم يجدوا غيره واضطروا وخافوا الهلاك يقال له لما ان تأذن بالدخول واما ان تعطى بنفسك فإن لم يعطهم ومنعهم من الدخول لهم ان يقاتلوه بالسلاح ليأخذوا قدر ما يندفع به الهلاك عنهم والأصل فيه ما روى أو قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فأبوا وسألوهم أن يعطوهم دلوا فأبوا فقالوا لهم أن أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تقطع فأبوا فذكروا ذلك لسيدنا عمر رضي الله عنه فقال هلا وضعتم فيهم السلاح بخلاف الماء المحرز في الأواني والطعام حالة المخمصة لأن الماء هناك مملوك لصاحبه وكذا الطعام فلابد من مراعاة حرمة الملك لحرمة القتال بالسلاح ولا ملك هناك بل هو على الإباحة الأصلية على ما بينا فإذا منعه أحد ماله حق أخذه قاتله بالسلاح كما إذا منعه ماله المملوك وأما الثالث الماء الذي يكون في الأنهار التي تكون لأقوام مخصوصين فيتعلق به أحكام بعضها يرجع إلى نفس الماء وبعضها يرجع إلى الشرب وبعضها يرجع إلى النهر أما الذي يرجع إلى نفس الماء فهو انه غير مملوك لاحد لما ذكرنا أن الماء خلق مباح الأصل بالنص وإنما يأخذ حكم الملك بالاحراز بالأواني فلا يجوز بيعه لعدم الملك ولو قال اسقني يوما من نهرك على أن أسقيك يوما من نهر كذا لا يحوز لان هذا مبادلة الماء بالماء فيكون بيعا أو إجارة الشرب بالشرب وكل ذلك لا يجوز ولا تجوز اجارته لان الإجارة تمليك المنفعة لا تمليك العين بمنافعها ليست بمملوكة ولو استأجر حوضا أو بئرا ليسقى منه ماء لا يجوز لان هذا استئجار الماء وكذا لو استأجر النهر ليصيد منه السمك لان هذا استئجار السمك وكذا لو استأجر أجمة ليحتطب لان هذا استئجار الحطب والأعيان لا تحتمل الإجارة وليس لصاحب النهر أن يمنع من الشفة وهو شرب الناس والدواب وله أن يمنع من سقى الزرع والأشجار لان له فيه حقا خاصا وفى اطلاق السقي ابطال حقه لان كل أحد يتبادر إليه فيسقى منه زرعه وأشجاره فيبطل حقه أصلا ولو أذن بالسقي والنهر خاص له جاز لأنه أبطل حق نفسه وأما الذي يرحع إلى الشرب فهو أنه لا يجوز بيعه منفردا بأن باع شرب يوم أو أكثر لأنه عبارة عن حق الشرب والسقي والحقوق لا تحتمل الافراد بالبيع والشراء ولو اشترى به دارا وعبدا وقبضهما لزمه رد الدار والعبد لأنه مقبوض بحكم عقد فاسد فكان واجب الرد كما في سائر البياعات الفاسدة ولا شئ على البائع بما انتفع به من الشرب ولو باع الأرض مع الشرب جاز تبعا للأرض ويجوز ان يجعل الشئ تبعا لغيره وإن كان لا يجعله مقصودا بنفسه كاطراف الحيوان ولا يدخل الشرب في بيع الأرض الا بالتسمية صريحا أو بذكر ما يدل عليه بأن يقول بعتها بحقوقها أو بمرافقها أوكل قليل وكثير هو لها داخل فيها وخارج عنها من حقوقها فإن لم يذكر شيئا من ذلك لا يدخل لان اسم الأرض بصيغته وحروفه لا يدل على الشرب ولا تجوز اجارته مفردا لان الحقوق لا تحتمل الإجارة على الانفراد كما لا تحتمل البيع وكذا لو جعله أجرة في إجارة الدار والعبد ونحو ذلك لا يجوز لان الأجرة في باب الإجارة كالثمن في باب البيع وانه لا يصلح ثمنا في البياعات فلا يصلح أجرة في الإجارات ولو أنتفع بالدار والعبد لزمه أحر مثله لأنه استوفى منفعة المعقود عليه عقدا فاسدا فيلزمه أجرة المثل كما في سائر الإجارات الفاسدة ولو استأجر الأرض مع الشرب جاز تبعا الأرض كما في البيع على ما ذكرنا ولو استأجر أرضا ولم يذكر الشرب والمسيل أصلا فالقياس أن لا يكون الشرب والمسيل كما في البيع وفى الاستحسان كانا له ويدخلا تحت
(١٨٩)