والعبد المغصوب بعد عتقه من مبتاعه له حق الله تعالى في الحرية، فلا يعاد إلى مالكه وإنما تعاد قيمته كأي شئ اغتصبه ثم باعه وتلف في يد المشترى، فان المالك يرجع على الغاصب أو المشترى. وللمشتري أن يرجع على البائع لأنه غره فإن كان عالما بالغصب لم يرجع على الغاصب.
(فرع) ينبنى على ما تقدم أنه إذا غصب طعاما فأطعمه غيره فللمالك تضمين أيهما شاء، لان الغاصب حال بينه وبين ماله، والآكل أتلف مال غيره بغير اذنه وقبضه عن يد ضامنة بغير اذن مالكه، فإن كان الآكل عالما بالغصب استقر الضمان عليه لكونه أتلف مال غيره بغير اذن عالما من غير تغرير، فإذا ضمن الغاصب رجع عليه.
قال الشافعي: ولو غصب طعاما فأطعمه من أكله ثم استحق كان المستحق أخذ الغاصب به، فان غرمه فلا شئ للواهب على الموهوب له، وان شاء أخذ الموهوب له، فان غرمه فقد قيل يرجع على الواهب وقيل لا يرجع به. قال المزني أشبه بقوله: ان هبة الغاصب لا معنى لها وقد أتلف الموهوب له ما ليس له ولا للواهب فعليه غرمه ولا يرجع به، فان غرمه الغاصب رجع به عليه. وهذا عندي أشبه بأصله.
وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين يتضمن كل قسم منها ثلاثة أنواع:
فأما القسم الأول فأول أنواعه أن يهبه فيأكله الموهوب له، فرب الطعام بالخيار بالرجوع على أيهما شاء (ثانيها) وهو أن يأذن له في أكله من غير هبة ولا اقباض، فان علم الآكل أنه مغصوب كان مضمونا عليه وربه أيضا بالخيار لتغريم أيهما شاء، فان أغرم الآكل فقد اختلف أصحابنا، فذهب البغداديون إلى أن في رجوعه على الغاصب قولين. وذهب البصريون إلى الرجوع به قولا واحدا. والفرق بين الآكل والموهوب له أن استهلاك الاكل بإذن الغاصب فرجع عليه، وأن استهلاك الموهوب له بغير اذنه فلم يرجع عليه، فان رجع المالك على الغاصب يكون رجوعه فعلى مذهب البغداديين يكون رجوعه بالغرم على الآكل على قولين وعلى مذهب البصريين لا يرجع به قولا واحدا