لأنه دفع إلى غير مؤتمنه، أو لا فرق بين أن يكون المؤتمن موصيا مات، أو موكلا باقيا. فأما إن صدق الموكل وكيله في الدفع فلا يخلو حال الموكل من أن يكون حاضرا للدفع أو غائبا عنه، فإن كان غائبا عنه فالوكيل ضامن مع تصديق الموكل، كما كان ضامنا مع تكذيبه، لأنه وإن صدقة على الدفع فقد فرط بترك الاشهاد، لان أمره بالدفع يقتضى دفعا بيديه من المطالبة، ولا يكون ذلك مع جواز الجحود إلا بالاشهاد، فصار الاشهاد من مقومات الدفع، وكما نقول في الاشهاد نقول في التوثيق والاشهار وكتابة الصكوك مع توقيع المدفوع إليه، لان العرف في زماننا هذا وفشو الفساد واستحلال المحرمات، وصعوبة الاثبات بغير الوثائق المكتوبة صار من مقومات الدفع اعتبار هذه العناصر من البينات، وعدم التفريط فيها.
فصار الوكيل بترك الاشهاد مفرطا فيضمن به كما يضمن بالجناية وإن كان الوكيل حاضرا لدفع الوكيل ففي وجوب الضمان على الوكيل وجهان (أحدهما) لا ضمان عليه، والاشهاد غير لازم له، لان الموكل إذا حضر كان هو المستوفى لنفسه الاشهاد، لان ما كان من شروط الدفع مع غيبة الموكل كان من شروطه مع حضوره، وليس ما اتفق من حضور الموكل بمسقط لحق الاستيثاق عن الوكيل.
والقسم الثاني: أن يكون المدفوع عينا مضمونة في يد الموكل كالعوارى والغصوب، فيدعى الوكيل المأمور بالدفع أنه قد دفعها إلى ربها، وينكر ربها ذلك فالقول قوله مع يمينه، وقول الوكيل غير مقبول على واحد منهما في الدفع، ولصاحب العارية والمال المغصوب أن يرجع على من شاء من الموكل والوكيل بخلاف الدين الذي لا يرجع صاحبه به على الوكيل، لان الوكيل في قضاء الدين لم تثبت له يد على عين مال لرب الدين، وقد ثبت للوكيل في العارية والغصب فكانت يد الوكيل في وجوب الضمان كالموكل، فإن رجع رب العارية بالغرم على الموكل رجع الموكل به على الوكيل إن لم يصدقه على الدفع وإن صدقه على الدفع وكان غائبا عن الدفع رجع به أيضا، وإن كان حاضرا فعلى ما ذكرنا من الوجهين، وإن رجع رب العارية بالغرم على الوكيل لم يرجع