بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله لأنه أحدث فيما ليس له بغير إذن فإن كان أحدث البناء في عين لا يمنع منفعتها لم يحول بناؤه، وقيل له لك بناؤك ولا تمنع أحدا من هذه المنفعة ولا يمنعك وأنت وهم فيها شرع، ولو كان بقعة من الساحل أو الأرض يرى أنها تصلح للملح لا يوجد فيها إلا بصنعة وذلك أن يحفر ترابا من أعلاها فينحى ثم يسرب إليها ماء فيدخلها فيظهر ملحها بذلك أو يحفر عنها التراب فيظهر فيها من وقت من الأوقات ماء ثم يظهر فيها ملح كان للسلطان والله تعالى أعلم أن يقطعها وللرجل أن يعمرها ثم تكون له كما تكون له الأرض بالزرع والبناء، وذلك أن هذا أكثر عمارتها وأن هذا شئ لا تأتى منفعته إلا بصنعة وفى وقت ليس بدائم (1) وحديث معمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الملح فلما أخبر أنه دائم كالماء منعه ذلك وهذا كالأرض يقطعها فيحفر فيها البئر لأن المنفعة كانت محولا دونها إلا بعمله، وقد يعمل فيها فتقل المنفعة وتكثر ويخلف ولا يخلف (قال الشافعي) ثم تفرق القطائع فرقين فتكون بما وصفت مما إذا أقطعه الرجل فأحياه ملكه من الأرض بالبناء والغراس والزرع والآبار والملح وما أشبه هذا فإذا ملكه لم يملك أبدا إلا عنه وهكذا إذا أحياه ولم يقطعه لأن كل من أحيا مواتا فيقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياه وعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عطاء كل أحد بعده من سلطان وغيره، ثم يكون شئ يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره ما أقام فيه أو وكيل له، فإذا فارقه لم يكن ملكا له ولا يكون له أن يبيعه، وذلك أنه إقطاع أرفاق لا تمليك وذلك مثل المقاعد بالأسواق التي هي طرق المسلمين كافة، فمن قعد في موضع منها لبيع كان أحق به بقدر ما يصلح له ومتى قام عنه لم يكن له أن يمنعه من غيره، قال وهكذا القوم من العرب يحلون الموضع من الأرض في أبنيتهم من الشعر وغيره، ثم ينتجعون عنه لا تكون هذه عمارة يملكون بها حيث نزلوا، وكذلك لو بنوا خياما لأن الخيام تجف وتحول تحويل أبنية الشعر والفساطيط وهذا والمقاعد بالسوق ليس بإحياء موات، وفى إقطاع المعادن قولان أحدهما أنه مخالف لاقطاع الأرض لأن من أقطع أرضا فيها معادن أو عملها ليست لاحد فسواء في ذلك كله وسواء كانت المعادن ذهبا، أو فضة أو نحاسا أو حديدا أو شيئا في معنى الذهب والفضة مما لا يخلص إلا بمؤنة ولم يكن ملكا لاحد فللسلطان أن يقطعها من استقطعه إياها ممن يقوم به وكانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ومخالفة للموات في أحد القولين، وإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها وهذه إذا أحييت مرة ثم تركت دثر إحياؤها وكانت في كل يوم مبتدأ الاحياء يطلبون فيها مما يطلب في المعادن فإقطاعه الموات ليحييه يثبته له ملكا ولا ينبغي أن يقطعه المعادن إلا على أن يكون له منفعتها ما أحياها وإحياؤها إدامة العمل فيها فإذا عطلها فليس له منعها من أحد عمل فيها ولا ينبغي أن يقطعه منها ما لا يعمل ولا وقت في قدر ما يقطعه منها إلا ما احتمل عمله قل منها ما عمل أو كثر والتعطيل للمعادن أن يقول عجزت عنها (قال الشافعي) فمن خالف بين إقطاع المعادن والأرضين للزرع انبغى أن يكون من حجته أن يقول إن المعادن إنما هي شئ يطلب فيه ذهب أو فضة أو غير ذلك مما هو غائب عن الطالب مخلوق فيه ليست للآدميين فيه صنعة إنما يلتمسونه ويخلصونه والتماسه وتخليصه ليس صنعة فيه فلا يكون لاحد أن يحتجزه على أحد إلا ما كان يعمل فيه فأما أن يمنع المنفعة فيه غيره ولا يعمل هو فيه فليس له ولقد رأيت للسلطان أن لا يقطع معدنا إلا على ما أصف من أن يقول أقطع فلانا معادن كذا على أن يعمل فيها فما رزق الله أدى ما يجب عليه
(٤٤)