السفر فيه، إلا أن يكون السفر لحج أو لعمرة أو مال يخاف تلفه فيسافر لحفظ المال، أو أخ في الله يخشى هلاكه فيسافر ليدفع عنه ما يحذره عليه، ولعل الأقرب أن المراد من أدلة المسألة هو أفضلية الإقامة في شهر رمضان على السفر فيه، وأن النواهي الواردة في النصوص عن المسافرة في الشهر إنما هي نواه عرضية عنه من جهة استلزام السفر في الشهر للافطار فيه وترك ما هو أفضل وهو الإقامة فيه وأداء الصوم امتثالا لأمر الله سبحانه في الشهر المعظم عنده.
وسواء أكان المراد من النواهي عن السفر فيه هو الكراهة كما هو المشهور، أم كان المراد بها النهي عن ترك ما هو أفضل، فإن ذلك يزول بمضي الليلة الثالثة والعشرين من الشهر، فلا كراهة ولا نهي عن السفر بعدها.
[المسألة 140:] إذا كان السفر في شهر رمضان لا يستلزم من المكلف افطارا من الصوم، ومثال هذا: أن يسافر الرجل بعد أن يدخل عليه الليل لبعض الغايات المباحة أو المستحبة ثم يعود إلى بلده قبل طلوع الفجر فالظاهر عدم شمول النواهي لمثل هذا السفر وإن تكرر منه في كل ليلة، كما يفعله بعض الخطباء الذين يسافرون في ليالي الشهر إلى قرى تبعد عن بلادهم بما يبلغ المسافة الشرعية أو تزيد على ذلك للقراءة والوعظ في تلك القرى النائية ثم يعودون إلى بلادهم ومنازلهم في نفس الليلة، فلا كراهة في مثل ذلك ولا حرمة على تقدير القول بها كما يراه بعض الأعاظم (قده)، فضلا عن القول الذي اخترناه من أن النواهي إنما هي نواه عرضية عن السفر لأنه يستلزم ترك ما هو أفضل في هذا الشهر وهو الإقامة فيه والصوم.
وكذلك إذا سافر المكلف في نهار شهر رمضان بعد الزوال، فإن اتمام صوم اليوم واجب عليه في هذه الصورة، فإذا هو قضى حاجته من السفر وعاد إلى بلده ليلا لم يفته الصوم في سفره، وسيأتي بيان وجوب إتمام الصوم على المكلف إذا سافر بعد الزوال في المسألة المائة والرابعة والستين.
وأجلى من ذلك وأكثر وضوحا ما إذا كان المكلف ممن عمله السفر فقد ذكرنا في مباحث صلاة المسافر أن الأقوى في هذا الصنف هو وجوب اتمام الصلاة والصيام عليه، فلا يفوته الصوم في شهر رمضان وإن سافر إلى موضع عمله في صباح كل يوم من الشهر ورجع عصرا أو ليلا إلى منزله.